لمن الأولوية بالنسبة إلى تركيا: حلّ عقدة إدلب أم ضرب وحدات الحماية الكردية

د. هدى رزق

يواصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مهمة إقامة مراكز مراقبة للقوات التركية والكردية على طول الحدود التركية السورية على الرغم من الاعتراضات التركية التي برّرت حشدها العسكري على طول الحدود السورية التي تواجه الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية السورية، بمنع وحدات الحماية من إطلاق النار على الاراضي التركية. صرحت بأنها ستستمر في ممارسة الضغط على الإدارة الأميركية من اجل ثنيها عن الشراكة مع الوحدات.

الأ أن نشر قوات التحالف على طول الحدود يبدو أشبه بحماية المسلحين ضد تركيا وتؤكد قوات سورية الديمقراطية أن القوات الأميركية قامت بأعمال استطلاعية على طول الحدود. لكن لم يتم بعد إنشاء مراكز للمراقبة، ومن المتوقع أن يبدأ البناء قريباً في 12 مركزًا في كوباني، وتل أبيض، وراس العين، وعامودة. في هذا الوقت نقل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قلق تركيا الى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد على هامش منتدى هاليفاكس للأمن الدولي في كندا الأسبوع الماضي حول الشراكة الأميركية مع وحدات حماية الشعب التي تسبب اضطراباً مع الولايات المتحدة يصل الى حافة انهيار العلاقات.

حاول المبعوث الخاص الاميركي الى سورية جيم جيفري، إصلاح العلاقات مع تركيا، عبر «نموذج منبج» بشكل يحافظ على خروج تركيا من البلدة، ويستبعد المتعاطفين مع وحدات حماية الشعب من المجالس المحلية الحاكمة والعسكرية. ويمكن لوكالة التنمية التركية» TIKA «، التي تعمل في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، أن تتحرك للمساعدة في إعادة بناء المدينة، وتشجيع اللاجئين من منبج الذين يقيمون حالياً في تركيا على العودة. كذلك يمكن تكرار هذا النموذج في أجزاء أخرى من المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، حيث يشكل العرب الأغلبية كما هو الحال في منبج.

يرى جيفري أن المهمة العسكرية الأميركية في شمال شرق سورية هي ضمان الهزيمة الدائمة لداعش ووقف نشاطات إيران في العراق وسورية. وهذا يعني ان الاميركيين ليسوا على عجلة من امرهم للانسحاب. وهذا بدوره يعني أن القوات الأميركية ستحتاج إلى مواصلة الاعتماد على وحدات حماية الشعب.

لكن لا يمكن ردع هجوم تركي جديد على الوحدات والدفاع عنها من قبل قوات العمليات الخاصة الأميركية في شمال شرق سورية، مما يطرح تساؤلات حول قدرة وحدات حماية الشعب على مواصلة محاربة داعش نيابةً عن الولايات المتحدة. قد يدخل ذلك في حسابات أردوغان، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها واشنطن لتحقيق التوازن بين تركيا والأكراد السوريين، فإن أنقرة لن تسمح بسيطرة وحدات حماية الشعب على الأراضي على طول نهر الفرات والمناطق الحدودية. بالإضافة إلى نشر نيران المدفعية وعمليات الطائرات بدون طيار.

من المرجح أن تقوم أنقرة بتعبئة قوات المعارضة المتحالفة معها وأن تحاول زيادة الضغط على شرق الفرات للحصول على مزيد من التنازلات من واشنطن في منبج،، يتمثل الهدف الرئيسي لتركيا في استبدال مجلس منبج العسكري، الذي تعتبره فرعاً من وحدات حماية الشعب، بأعضاء من فصائل الجيش السوري الحر مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة واشنطن. يقول الخبراء العسكريون ان أفضل عناصر الكومندوس والقوات الخاصة التركية تشارك في العمليات داخل تركيا، في شمال العراق، وفي الأراضي السورية الشمالية الغربية التي تسيطر عليها في منطقة عفرين وفي مواقع خفض التصعيد حول إدلب في غرب سورية. هذا يعطي الانطباع بأن الجيش التركي يقوم بمهام فوق طاقته.

ويضيف الخبراء ان الجيش التركي يحاول إطلاق عملية ذات شقين من كوباني وتل أبيض على طول الحدود الشمالية لسورية، لربطها بعين عيسى. وستحتاج تركيا إلى مضاعفة عدد الجنود المتمركزين على الحدود. لكن الدرس الذي استفادته تركيا من عمليات درع الفرات وغصن الزيتون هو انه لا يمكن القيام بعملية في شمال سورية دون ضمان دعم جوي. وهي على اليقين أن روسيا لن تساعدها في ذلك، على الرغم من أن موسكو تتعاون بشكل وثيق لموازنة النفوذ الأميركي في سورية، لكن مواقف تركيا وروسيا في ما يتعلق بالأكراد السوريين و»وحدات حماية الشعب / حزب الاتحاد الديمقراطي» ليست متطابقة.

يلعب الأكراد لعبة طويلة الأمد بعد أن تمكنت قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، التي تعتمد بشكل كبير على قيادة وحدات حماية الشعب، من السيطرة فعلياً على 35 في المئة من الأراضي بعد تحرير المناطق الرئيسية التي يسيطر عليها داعش، فلقد تم تحديد موضوع هذا العام في المؤتمر الكردي في واشنطن بالتمثيل السياسي للأكراد السوريين على طاولة المفاوضات في جنيف واحتل هذا الموضوع أبرز المناقشات. لكن أنقرة أعاقت مشاركتهم في اللجنة الدستورية، على الرغم من الجهود التي بذلتها القوى الغربية الرئيسية وروسيا كذلك بالرغم من محاولات دي ميستورا.

لم تقُم واشنطن بفرض معركة كبيرة مع أنقرة من اجل المشاركة الكردية في اللجنة الدستورية، ليقينها أن هذا سيُبعد الأتراك عن عملية جنيف، التي لم تثبت بعد أنها آلية فاعلة. شكوك انقرة بفعالية جنيف قد يسهل على روسيا ضربها لمصلحتهم، كما يعتقد الأميركيون. لهذا السبب تبدو الجهود الرامية إلى حل المشاركة الكردية في العملية السياسية مؤجلة من قبل الجانب الأميركي.

من الواضح أن الأكراد السوريين سيكونون منفتحين على عقد صفقات مع أي مركز قوة إذا رأوا أن واشنطن ستبيعهم من اجل انقرة. واشنطن والبنتاغون شجّعوا أردوغان على عملية سلام جديدة مع أكراد، لكن جميع المؤشرات في تركيا اليوم هي عكس ذلك تماماً لا سيما مع دنوّ الانتخابات المحلية وليس هناك اهتمام حقيقي في دوائر ترامب بالخوض في هذا الموضوع، من الصعب التنبؤ لكن واشنطن لا زالت تلعب لعبة التوازن بين الطرفين للحصول على مرادها في سورية. أما تركيا فهي تؤخّر الحل في إدلب قبل حلّ مسألة أكراد سورية، فهي تعتقد أن حلّ مسألة ادلب أولاً قد يقصيها عن الحل الذي تنشده والذي يتضمن ضرب وحدات الحماية وإقصاءها عن الحل في جنيف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى