نقص فيتامين الكرامة؟
هل سبق لأحدنا أن يعرّف الغربة وماذا تعني له؟
معظمنا سيعرّفها كمفهوم البعد عن مسقط الرأس، عن الوطن، عن العادات اليومية التي يمارسها كلّ منّا بما يتسق مع مجتمعه الأصلي. وكما يُقال: اللعب بالألفاظ لا يغيّر الحقيقة، لكن اليوم وفي ظلّ وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات الحديثة، استطاعت جميعها أن تنحّي جانباً مفهوم الغربة، وأصبحت الغربة كمفهوم مادي، مفهوم مفرّغ من محتواه، ساعات متواصلة تتحدث مع الأقارب والأصدقاء الذين يبعدون آلاف الكيلو مترات، صوتاً وصورة، هذا عن المفهوم المادي للغربة، لكن ماذا عن المفهوم النفسي؟
الشعور بالغربة وأنتَ في وطنك مفاده الخوف من فقدان كرامتك، لو فقدتً كرامتك ستصبح غريباً في وطنك. شعورٌ مخزٍ ومحزن في آن معاً، وعندها نظرة المجتمع والناس سيّان عندك. لأنك فقدت أغلى ما تملك ولا تستطيع بنوك العالم أن ترفع منسوب شعورك في حال انتقص ولو مرة واحدة.
قالوا ذات يوم: صاحب الحاجة أرعن. ولكن مع ما نشاهده ونسمع به نضيف إلى ما قالوا: صاحب الحاجة ذليل وفاقد للكرامة، والذل هو الغربة الحقيقية، وفقدان الكرامة والذل هو الغربة حتّى لو كنت في قلب وطنك ومدينتك وقريتك، ستشعر بالغربة والاغتراب معاً عندما تدرك بعد ثماني سنوات من الحرب العشواء أنّ خمسين ليرة سورية إضافية تقاضاها موظف إلى ثمن طوابع التقارير الطبية كانت سبب المؤامرة الكونية الحاصلة في بلدنا!
قد تكون هذه الخمسون العظيمة هي سبب خراب البلد وانتشار الإرهابيين على امتداد الأرض السورية! ولولاها لما تمكّن داعش أن يسرح ويمرح ويفرض شروطه هنا وهناك، ولما اضطرت الحكومة الاستعانة ببعض الدول الصديقة للقضاء على الذين أفسدهم طمع الخمسين ليرة. ولما فتحت تركيا حدودها ليدخلَ من هبّ ودبّ إلى سورية. ولا حركت أميركا وأوروبا أساطيلها للتدخل في حال استفحل الامر. وانتشر الفساد، وزاد عدد الطامعين بالخمسين ليرة العظيمة، والخوف أن يُنصب لها تمثال في القريب العاجل في ساحة الحرية أو جانب الأهرامات المصريّة احتفاء بانتصار الفساد وقمع أهله وداعميه! لا بدّ أنّ الخمسين ليرة قد استجاب القدر لدعوات أمها ليلة القدر أن تصبح من المشهورين ويكتب عنها في الصحف وفي وسائل الإعلام العربية والغربية أيضاً، وها هي تمشي اليوم بزهو وكبرياء لكون القدر أعطاها الحظّ الوافر ولكونها استطاعت خفض فيتامين الكرامة لرجل جار الزمان عليه وهو يحاول جاهداً تأمين لقمة العيش وعدم مغادرة البلاد كي لا يشعر بالغربة، لكنّ الخمسين ليرة العتيدة جعلته يشعر بالغربة أضعافاً مضاعفة وهو في وطنه وبين أهله وناسه! هل قضي على الفساد بعد انتشار ظاهرة الخمسين ليرة، وأنّه سيحاسب ويعاقب كلّ مرتش وحرامي؟ لا أدري لمَ أشعر باليأس حدّ الطمأنينة؟ وهذا الشعور قد يدفعني كما الأكثرية أن أحضر كبسولات سيانيد التي تستخدم للانتحار، ليس لا قدّر الله لننتحر ونموت الميتة الجماعية لكن لنقتل شعور الغربة قبل أن يقتلنا. ما أعظم الماغوط حين قال: حزني طويل كشجر حور، ولكأنّه اختصر أحزاننا جميعاً!
صباح برجس العلي