كتاب مفتوح الى فخامة الرئيس
المحامي هاني سليمان
تحية واحتراماً…
أُدرك كمحام وكمواطن لبناني، أن الدوائر القانونية في القصر الجمهوري تعكف على دراسة قانون الإيجارات الجديد، كي تأخذ الرئاسة موقفاً منه في القريب العاجل، فإما توقعه فخامتكم، وإما تستعملون صلاحياتكم الدستورية بردّه الى مجلس النواب، لإعادة النظر فيه.
هذا القانون لم يجد في الأوساط الشعبية من يرحّب به، وكأنه لقيط وجد على أدراج المجلس النيابي.
لا أخالك يا فخامة الرئيس، تتغاضى عن استغاثات المقهورين والمهدّدين بمفاعيل هذا القانون، من قاطني الأشرفية وسن الفيل والزلقا والمنصورية والمتنين الشمالي والجنوبي، الذين هُجّروا في مطلع الحرب الأهلية ولم يعودوا الى بلداتهم وقراهم نتيجة عدم اكتمال المصالحات والتعويضات وقد بلغ بهم العمر عتيّاً، وصولاً الى أبناء المصيطبة والطريق الجديدة والبسطا والباشورة وكركول الدروز، فضلاً عن قاطني المدن الأخرى خصوصاً في العاصمة الثانية طرابلس التي لم يتنفّس اهلها مع الخطة الأمنية حتى فوجئوا بقانون التهجير الجماعي.
فخامة الرئيس…
الجميع يعلم أصول انتمائك الاجتماعي والعائلي الذي تعتز ونعتز به جميعاً، وهو الانتماء اللبناني الأصيل، البعيد عن الارستقراطية المزيّفة وغير البعيد عن الهمّ الاجتماعي، وهذا إنْ دلّ على شيء فهو بالضرورة دالٌّ على أنّ فخامة الرئيس لا يحابي على مصالح أبناء الفقراء ومتوسطي الدخل، لا بل يجب أن يكون الى جانبهم يوم يتخلى عنهم الجميع، وهذا ما نعهده بفخامتكم.
فخامة الرئيس…
من الميزات الأساسية للقوانين أنها تتسم بميزتي التوازن والعدالة… فأيّ قانون هذا الذي أُقرّ أخيراً في مجلس النواب؟!
إنني كما سائر اللبنانيين أتمنّى أن يكون موقفك حاسماً تجاه هذا القانون من الناحيتين الإنسانية والاجتماعية.
تصوّر يا فخامة الرئيس في هذه الأزمة الخانقة، وفي ظلّ حالة إفلاس الخزينة والناس، كيف ستكون حال من سيُخلي منزله بعد سنوات عدة جراء هذا القانون. ألا ترى كما سائر المواطنين حالة من التهجير المنظم المقونن لصالح /لا نعلم/… وكيف ستكون بيروت جراءها، مدينة تفتقد للتراث، والثقافة الشعبية الوطنية، بحيث لا يعود لها ذلك الرونق الذي حافظت عليه منذ ما يزيد عن مئة سنة؟ هذه المدينة العميقة مع ما تختزنه هذه الكلمة من كنوز ونفائس في الفكر والإبداع، والاستقرار المعرفي، هل ستبقى عميقة، أم ستجرفها الحداثة المزيفة؟
إذا أُجليَ الناس من بيروت، هل سيبقى فيها مسرح أو سينما أو دار نشر، أو مكان لمحاضرة ثقافية أو فكرية؟ هل سيبقى فيها شعر وأدب وفوكلور وبهجة عيد؟ هل سنجد من يشتري صحيفة أو كتاباً؟ هل سيكون للقداس ذلك الطعم الذي كانَه، ولكلمة الله أكبر في الجوامع ذلك المفعول الداعي للتلاقي والمحبة والغفران في رحابها؟
هل سيبقى من يعرف جاراً يبادره بصباح الخير، مع ما لهذه الكلمة من روح التقارب والعيش الواحد وألفة القلوب والسلام الاجتماعي؟ وما هي لغة التخاطب التي ستسود بين البشر، سوى لغة الأرقام الجافة والصفقات المشبوهة، وأسماء المحال والشوارع باللغة الأجنبية… وأُذكر فخامتكم ببلدة عمشيت وفيها العدد الكبير من رواد العروبة والعربية.
يا فخامة الرئيس…
بموجب المادة 75 من الدستور، أُعطيتم الحق بطلب أعادة النظر بالقوانين ووضعتم يدكم اليمنى فوقه مقسمين على السهر عليه لصيانته، اليوم نتطلع إليكم لتمدّوا هذه اليد لغرقى هذا القانون، لأنه وإنْ مُرّر في مجلس النواب بما لا يخالف الدستور، فأنه يخالف ما ارتكز عليه دستورنا وهو العيش المشترك وحق الناس في العيش الكريم من دون اضطراب أو تعسّف.
الجدير ذكره أنّ هذه المادة لم تقيّد مرجعكم بأيّ سبب من الأسباب ترونه مبرّراً لإعادة النظر، بل جاءت على إطلاقها، تاركة لمرجعكم المحترم أمر تقدير خطورة هذه القوانين، ومدى عدم تلاؤمها مع المصلحة العامة.
في هذا الكتاب المفتوح
أني وإنْ كنت أنقل آراء الناس وردود أفعالهم على قاعدة أفواه الخلق أقلام ناطقة بالحق ، فقد تناولت جانباً محدداً من العلاقات الاجتماعية المتأثرة بهذا القانون، أما عن مفاعيله الاقتصادية على حياة الناس، فأتمنى عليك أن تسأل مستشاريك السؤال التالي:
إلامَ يهدف هذا القانون.
أإلـى زيـادة بــدلات الإيجـار؟ وهذا حق ماثل ومطلب معضوض.
أو الى استرداد المأجور ببدل زهيد؟ وهذا كيد قاتل وحيـف مـرفوض.
أم الى الاثنين معاً، وهذه مجزرة اجتماعية بكلّ المقاييس.
فإذا كان جوابهم انه لا يحمل أية ايجابية للمستأجر فإنهم مستشارون صادقون.
فخامة الرئيس.
ليس من أجل المستأجرين ولا من أجل المالكين، نناشدكم ردّ هذا القانون الى مجلس النواب، بل من أجل بيروت وكل لبنان، من أجل كلّ مدينة يتعايش فيها الناس كخلية اجتماعية واحدة.
واقبلوا الاحترام