عقابيل الأزمة… من جحيم الحرب إلى قسوة المجتمع
فاطمة ملحم
يؤكد علماء الاجتماع على أنّ ثمة مشكلات اجتماعية كثيرة ستواجه سورية، كما كلّ الدول والمجتمعات التي تعرّضت للحروب، ومن هذه المشكلات فقد النساء للأزواج والتي يمكن أن نقول إنها مشكلة «الأرامل»، من هنا علينا العمل على معالجة الأمور قبل ان تتفاقم وتخرج عن السيطرة، فهناك الكثير من الأرامل، الجزء الأكبر منهن خلفته الحرب الكونية على سورية، حيث تتراوح أعمارهن ما بين 14 الى 50 عاماً. تُرى هل لهذه المشكلة الإجتماعية من حلول جذرية توقف معاناة هذه الفئة من المجتمع؟ ولا يكون فقدان الزوج هنا سوى صدمة بسيطة مقارنة بما تحمله الأيام التالية من مصاعب، ومنها الابتزاز، فحياة المرأة الوحيدة هي مدعاة للشكوك عند البعض وسط ظروف حالية يصعب على المرأة، حتى المنتجة، الحياة من دون مساعدة الأهل والأقارب الذين هم أصلاً بحاجة لتلك المساعدة، فيكون الحلّ بالتفكير بتزويج الأرملة مرة أخرى. الا انّ الأرملة التي لديها أطفال يقلّ حظها في زواج ثانٍ مع قلة طالبي الزواج أصلاً، فالرجال أنفسهم يحجمون عنها مخافة تكرار الترمّل في ظلّ الحرب المستعرة.
الى ذلك، لم يكن مسموحاً، في بعض المناطق، للأرامل بالخروج من المنزل إلا إلى بيت الزوج الثاني، حيث صراع المرأة مع الترمّل مع أهل الزوج أولاً ثم أهلها ثانياً يليهما المجتمع ثالثاً.
لتفصيل ما ورد أعلاه، يظنّ أهل الزوج أنّ الأرملة لا تستطيع تأمين مستقبل أولادها بعد رحيل أبيهم، وللمحافظة على الأطفال في بيت أهل الزوج وفي بعض المناطق عادة ما تُجبر الأرملة على الزواج من أخ زوجها المتوفي. وفي حال عدم الموافقة، كثيراً ما يتمّ طردها من المنزل وتجريدها من أولادها.
والكثيرون في مجتمعنا يرفضون بقاء الأرملة دون زواج، خاصة إذا كانت صغيرة حيث تكثر أطماع كبار السن في الزواج منها اذ لا يجرؤ او يقبل الشاب الإقدام على مثل هكذا خطوة. من هنا، تعاني الأرامل من مسألة «الزواج بالإكراه»، سواء تحت ضغوط الأهل ام ضغوط المعيشة القاسية. ولا تخلو شهادة أية أرملة من الحديث عن عدم الأمان، والتعرّض لتحرشات لفظية من قبل الرجال، مما يخلف شعوراً بالاكتئاب والضغط النفسي. في مقابل هذا الوضع غير الصحي، يمكن النظر الى بعض النجاحات المضيئة التي حققتها بعض هؤلاء النسوة داخل وخارج البلاد، منهن من رفض الزواج الثاني مصرات على تربية أولادهن وتدريسهن رغم المصاعب الهائلة لتأمين المال والاعتماد على الذات اقتصادياً، مع الحاجة لتأمين سكن ملائم وتوفير مرافق رعاية للأطفال، معتمدات على دعم المجتمعات المضيفة في بعض الحالات.
ختاماً، يبدو انه من الضروري إيجاد دور رسمي فاعل للتخفيف من معاناة هذه الشريحة من خلال:
ـ دعم مؤسسات الرعاية الخاصة من أجل التخفيف عن كاهل الأرامل من خلال إعدادهن لسوق لعمل عبر دورات تأهيلية، والاهتمام بدور الأيتام كي تتفرّغ الأم للعمل وكسب الرزق.
ـ المساعدة في التوظيف وإيجاد عمل شريف او عبر تقديم قروض، خصوصاً لدعم المشاريع الصغيرة، يستطعن من خلالها ان ينشئن نوعاً من الأعمال التي تخفف كاهل العيش وتخفيف ظاهرة التسول.
ـ تضافر جميع الجهود الخيرة ونشر الفكر والثقافة والتوعية وتقديم المساعدات على جميع الأصعدة والمجالات، وفتح جميع الأبواب وسماع جميع الآراء للنهوض بالمجتمع وحلّ مشاكله بترسيخ روح المحبة والتكافل والوئام.