جنبلاط و«تزبيط الأنتينات»

ناصر قنديل

– الكلام الأخير للنائب السابق وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، عن لملمة آثار غزوة الجاهلية وقوله إنّ إمكانية تبليغ الوزير السابق وئام وهاب كانت ممكنة بطريقة أخرى مجرد وجهة نظر، لا يستقيم مع أيّ سعي جدي لإنهاء الأزمة ومضيّ في تغطية السموات بالقبوات من قبله، بينما جنبلاط معروف بقدرته على امتلاك الجرأة والقدرة على الاعتراف بالخطأ والاستدارة نحو صفحة جديدة هي أكثر ما نحتاجه اليوم.

– لم يكن حديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الموجّه خصيصاً لجنبلاط عن «تزبيط الأنتينات» تحرّشاً ولا ملاطفة ولا تحذيراً، بل كان لفت نظر استباقياً لخطورة وقوع جنبلاط في القراءة الخاطئة والبناء عليها لإدراك مبنيّ على تذكر ما جرى في الخامس من أيار 2008، وكيف أنّ خطأ جنبلاط في القراءة يورّط البلد. والبلد بغنى عن المزيد من الورطات.

– يعرف جنبلاط أنه ومنذ الانتخابات النيابية يرمي على حزب الله رشقاً الحجارة حيثما كان، من تويتر والحديث عن حزب الله الرجل الآلي، وعن القلق من تعميم النشيد الإيراني، وفي مناسبة وغير مناسبة إشاعة مناخ عن وحش اسمه حزب الله لا يريد للبلد الاستقرار. ومعلوم أنّ كل ذلك كان محاولة مستبطنة من جنبلاط للقول لحزب الله إنّ الطريق للحفاظ على الاستقرار، وخصوصاً في العلاقة الثنائية، يتوقف على قبول حزب الله بإلغاء نتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت التعدّد داخل الطائفتين الدرزية والسنية، والذي كان سيأتي مضاعفاً لولا التناقضات بين حلفاء حزب الله في كلّ من الطائفتين من جهة، وبين بعضهم وحلفاء حزب الله خارج الطائفتين، خصوصاً مع حركة أمل والتيار الوطني الحر من جهة أخرى.

– «تزبيط الأنتينات» دعوة للقراءة الواقعية والإقرار بالتغيير الجديد والتأقلم معه ليس بصفته مسعى مفتعلاً من حزب الله، بل كحقيقة تعبّر عن قراءة الشرائح الشعبية في هاتين الطائفتين لخطأ رهانات وحسابات قادة الأكثرية فيهما التي يمثلها الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، والاقتناع الجنبلاطي رئيسي في التأقلم الحريري والعكس صحيح، فالإنكار الجنبلاطي تشجيع وتوريط للحريري برهانات وحسابات خاطئة، خصوصاً في قراءة اتجاه الحرب على سورية، والتي يربط جنبلاط أيّ إعادة نظر بالموقف منها بيقينه باستحالة إعادة ترتيب العلاقة بينه وبين القيادة السورية سواء كان ذلك بقرار من سورية أو منه، بينما العقلانية تستدعي الاعتراف بالفشل والدعوة لتأقلم الدولة وفقاً لحسابات مصالحها بدون التذاكي على سورية، والاعتراف بأنّ الناس تقرأ وتحاسب، ونتائج الانتخابات تقول إنّ هذه هي طريقة الناس بالمحاسبة، فانتقال نسبة ثلث ناخبي الطائفة السنية من تحت العباءة الحريرية إلى خيار قوى حليفة لحزب الله وسورية وليس نحو التطرف الداعشي تعبير عن نتائج القراءة الشعبية لنتائج الحرب على سورية. وطالما كما كان تحذير جنبلاط دائماً ومعه الحريري، بأنّ التمسك بالحريري قدر لمواجهة خطر الإرهاب، مع لفت الانتباه إلى أنّ الإقرار بأنّ أغلب الإرهاب الوارد عبر الحدود السورية كان بنظر جنبلاط مجرد تعبير شرعي عن «الثورة السورية». وهو صاحب نظرية «نصرة لاند» في عرسال والقلمون أسوة بـ «فتح لاند» في العرقوب قبل نصف قرن.

– يعرف جنبلاط أنه لو كان هناك تحالف منظم ومتماسك بين القوى الحليفة لحزب الله وسورية في الطائفة الدرزية، بصورة تضمّ النائب طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهاب والحزب السوري القومي الإجتماعي والنائبين السابقين فيصل الداود وفادي الأعور، ولو كان هذا التحالف مدعوماً بقوة وثقة من حزب الله وحليفيه حركة أمل والتيار الوطني الحر، لخسر جنبلاط مقعد بيروت ومقعد بعبدا ومقعداً ذهبياً في الشوف، وتهدّد وضع النائب وائل أبو فاعور، أي لوقعت المناصفة بينه وبين حلفاء حزب الله في الطائفة الدرزية، كما يعرف جنبلاط ويعرف الحريري أن قانون الانتخاب وفقاً للنظام النسبي ليس مجرد تقنية، بل هو مدخل لتظهير الأحجام الحقيقية بناء على الخيارات السياسية الكبرى التي ينقسم حولها اللبنانيون، ولا يغيّر من هذا أن تتحكم بعض اللعب التكتيكية بحسابات التحالفات بين حلفاء حزب الله وان تكون قد أهدرت فرصاً كثيرة، فلو كانت التحالفات مدروسة أكثر في مناطق الشراكة بين القوميين والتيار الوطني الحر وتيار المردة، واستطاعت تظهير المصلحة العميقة للجميع بتجاوز التناقضات الصغيرة لحساب حلف سياسي كبير، يقطع الطريق على الاصطياد بالتناوب للحلفاء من قبل عروض التحالف الكيدية من تيار المستقبل والقوات اللبنانية بخلفية التناقض بين التيار الوطني الحر وتيار المردة، لكان امتلاك أغلبية الثلثين في مجلس النواب لحزب الله وحلفائه أمراً ممكناً، وهو سيكون كذلك في الانتخابات المقبلة.

– يعرف جنبلاط ويعترف بأن العباءة التي يحوزها من علاقته المميّزة بالرئيس نبيه بري شكلت بوليصة تأمين له بوجه المتغيّرات، لكن عليه أن يعرف ويعترف بأنّ هذه العباءة تملك أنتينات يحتاجها جنبلاط اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وأنّ الطريق إلى عين التينة ليست طريقاً للربح فقط، أو منع الخسارة وحسب، بل هي أيضاً طريق للقراءة في كتاب المتغيّرات وكيفية التأقلم معها، وضمان المؤازرة في خطة تأقلم يحتاج لبنان سماع مؤشراتها من جنبلاط بدلاً من سماع مؤشرات الإنكار والمكابرة المستمرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى