من الداخل إلى الخارج لبنان يؤثر ولا يتأثر.. ماذا عن حزب الله؟
روزانا رمّال
السؤال عن تأخر تشكيل الحكومة الذي أخذ حيّزاً واسعاً للتفكر والتبحر من قبل الأقربين والأبعدين، وعما اذا كان واقعاً ضمن المماطلة بطلب خارجي او حسابات داخلية صار أكثر مشروعية بعد مرور سبعة اشهر على الانتخابات النيابية القائمة على قانون جديد هو النسبي والتي تتكفل وحدها بتقديم اول نموذج إصلاحي جدي للبنانيين.
ليست المرة الأولى التي تتأخر فها ولادة حكومة لبنانية. فقبل ذلك انتظر اللبنانيون تسعة أشهر فتكشلت حكومة الرئيس تمام سلام. الأمر نفسه تكرر أكثر من مرة منذ ما بعد العام 2005 وخروج سورية من لبنان. كثر هم اللبنانيون الذين تمنّوا عودتها من أجل إعادة الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي في البلاد ذلك ان اللبنانيين أثبتوا انهم غير قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم وهم يقولون ذلك «بمرارة»، لكن بالواقع فأن العنصر السوري في ذلك الوقت كان يعني اليد الخارجية التي تحرج اللبنانيين والتي عودتهم على «الاستقواء» بعضهم على بعض بها من أجل كسر القوى وتفعيل حضورها. وكانت الغلبة لحلفاء سورية وهم أغلبهم اليوم جزء لا يتجزأ مما عُرف بقوى 14 آذار.
تغيرت السياسة لكن الساسة لم يتغيروا، ولا يزال الاعتماد على الخارج بيت قصيد الاستقرار اللبناني الذي بات يسأل اليوم عن الدولة القادرة على حسم الامور. تأخر ولادة الحكومة صار مرتبطاً بهذا العنصر وهو مفقود اليوم، لكن من دون أن يبدو ذلك مقنعاً. القوى المعنية بالتشكيل اي تيار المستقبل وتحديداً الرئيس المكلف ينفي الخضوع لاي ضغط خارجي أو إملاء. مصادر رفيعة بالتيار الوطني الحر «تؤكد وخلال متابعة تشكيل رئاسة الحكومة مع الحريري أنه لا يوجد اي التماس لارتهان او تبعية من الحريري في مسألة توزير النواب السنة من خارج تيار المستقبل وأن الامر يتعلق بما كان اصلا المشكلة من البداية، وهو عدم انضواء النواب الستة ضمن كتلة موحّدة خاضت الانتخابات ونتائجها سوياً، اما مصادر تيار المستقبل فتقول عن امكانية لقاء الحريري بالنواب الستة وتأمين موعد لهم كما طلبوا اكثر من مرة ان هذا الأمر ممكن وليس مستبعداً، لكن الرئيس الحريري يسأل المقرّبين عن «جدوى هذا اللقاء إذا كان لن يحمل نتيجة؟».
الحساب السياسي المحلي لا يزال مرتبطاً بالحسابات الخارجية بامتياز والتعقيد الحاصل في تشكيل الحكومة العراقية أثر مباشرة على لبنان. الأمر الذي تتحدث عنه اوساط حليفة لحزب الله، بالمقابل أتى النائب السابق وليد جنبلاط على ذكر الامر بإحدى آخر تغريداته ما يؤكد ان كل الاطراف معنيون بالبحث عن الجهة الخارجية القادرة على البت بالأمر. وليس غريباً ان تكون الجهات نفسها بعناوين مختلفة هي التي تغيب هذه الفترة عن الضغط على الساحة اللبنانية والأمر محصور بالسعودية وإيران، لكن الامر يختلف عندما يتعلق بالأخيرة بوجود حزب الله.
يؤكد حزب الله انه منذ الازمة السورية وفائض القوة الذي حظي به محوره أن الامور اختلفت بالكامل ولم تعد القوى التي كانت تعطل قادرة على ذلك الى ما شاء الله ما يطرح أسئلة حقيقية بدأ الشارع اللبناني بتناولها كمادة حقيقية عن إمكانية ان تكون هناك نية لتشكيل تكتل بوجه الرئيس سعد الحريري من أجل إيصاله للاعتذار حتى تكليف شخصية أخرى بالأمر، لكن هذا لا يبدو واقعيا بظل الظروف التي ادت لتسوية رئاسية يعتبر الحريري من قوامها الاساسي. ما جرى في الجاهلية والوحدة حول موقف 8 آذار الداعم لرئيس حزب التوحيد ادى الى تساؤلات حول تحرك سياسي كبير من حزب الله وإلا لما كان قد تحرّك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي باتجاه الضاحية الجنوبية وأرسل موفدين من اجل لقاء مساعد أمين عام حزب الله.
اغلب الظن ان تؤدي «خضة الجاهلية» دورها بشكل إيجابي اذا ارادت القوى ان توفر على لبنان عناء الانتظار بعد ان هز حزب الله «العصا»، لكن سياسة التجاهل وتمرير الوقت التي ينتهجها الرئيس المكلف باتجاه ضرورة عدم انكسار صورته والتي يعتبرها كثر حجة لعدم وجود ضوء أخضر سعودي تحرك العجلة الحكومية هي السبب بهذا التباطؤ.
القلق حول استغلال الوقت الضائع من طابور خامس ينفذ مخططات أمنية داخل لبنان بدأ يتصاعد لا بل الخطر نفسه تتحدث عنه «إسرائيل» التي تسعى هي الاخرى لتخليص نفسها من مآزق داخلية حساسة. يقول النائب جميل السيد ان «رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري سيقوم بزيارات خاصة للخارج تاركاً الوضع الحكومي معلّقاً، رغم تفاقم الأزمات والوضع المستجدّ جنوباً والمفتوح على عدة احتمالات»، ويلفت الى أن «المماطلة بلغت حدّها الأقصى والظروف لم تعد تسمح بتَرَف التعطيل وربّما لن يستمرّ صَبْر فخامة الرئيس على تعريض البلد»..
تزداد مخاطر التوتر الأمني والسياسي في كل يوم تطول فيها ولادة الحكومة أكثر، لكن الأجواء الاخيرة تشير الى دراسة مشروع توسيع الحكومة الى صيغتين اولاها 32 وزيراً وثانيتها 36 وزيراً اما رئيس مجلس النواب فيطلق إشارات ايجابية باتجاه قبول مبادرات جديدة ليبقى السؤال عن إمكانية أن يكون لبنان فعلاً قادراً على تخطي الإيعاز الاقليمي الا اذا صار لزاماً اعتبار ان اللاعب الاقليمي صار يتجسد بحزب الله بعد ان حسم نتائج معارك كبرى في المنطقة، بسبب تدخله بحروبها الكبرى. وبالتالي فان لبنان وبتحقيق شروط حلفاء حزب الله سيكون للمرة الأولى امام فرصة التأثير على دول المنطقة بانطلاق حكومة بهذه الصورة ستنعكس على تسريع تشكيل الحكومة العراقية وباقي الملفات خصوصاً أن هناك استبعاداً عراقياً لتشكيل حكومة قبل نهاية العام، فهل يحسم لبنان المشهد ويحسم نقاط المحاور بين إيران والسعودية عبر ولادة حكومته؟