لعبة موسكو الجاسوسية… لِمَ تكسب روسيا الحرب الاستخباراتية في أوكرانيا؟
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
«خلق بوتين نظامه العالمي الجديد في إشارة منه إلى أوباما وجماعته. أظهر أن الاستخبارات الأميركية ـ كما الإعلام ـ بدت حمقاء ومضلّلة لسنوات. بوتين يعرف كيف يحرّك جنوده على رقعة الشطرنج. بينما يحكم الغرب رجال ضعاف. فكلّ الأوكرانيين ممن تخطوا الثلاثين من العمر تدرّبوا في روسيا، أي أن النخبة هي صنيعة روسية. كان لدى أوكرانيا فرصة عام 1991 أن تحذو حذو دول البلطيق غير أنها رفضت. حتى استطلاعات الرأي اعتبرت بنسبة 50 في المئة أن الحكومة الجديدة المنتخبة في أوكرانيا غير شرعية. هناك مبالغة في الحديث عن أعداد عناصر الاستخبارات الروسية المتواجدة في أوكرانيا».
هذا بعضٌ من تعليقات قرّاء مقال نُشر على موقع مجلة «فورين آفيرز» الإلكتروني، لكاتبه مارك غاليوتي، البروفسور في الشؤون العالمية في جامعة نيويورك.
ربما يكون بوتين أذهل العالم، الأصدقاء والأخصام وحتّى الأعداء، باستراتيجيته التي نال بوساطتها ما يعتبره حقّاً لبلاده، وما يعتبره الغير عدواناً على أوكرانيا. وإذا كانت التقارير اليومية التي غطت الأحداث الأوكرانية قد تحدّثت عن المعارك والاحتجاجات والانتخابات والانسحابات وما إلى ذلك، فإن غاليوتي في تقريره هذا يسلّط الأضواء على دور الاستخبارات الروسية التي ظنّها البعض أنّ نجمها أفل.
كتب مارك غاليوتي:
ثمانية أسابيع مضت على انتخاب الحكومة الأوكرانية الجديدة، موافقة الانفصاليين الموالين لروسيا على وقف إطلاق النار، واستمرار الحرب في اضطراب متقطّع: قصفٌ وضرب على أرض المعركة وتلويح بفرض المزيد من العقوبات على طاولة المفاوضات. لكن يبدو، أن الحرب تذهب باتجاهٍ آخر: الاستخبارات. وعلى هذه الجبهة تحديداً، نجد أنّ كلاً من أوكرانيا والولايات المتحدة تتباريان في احتواء ميزة روسيا الهائلة.
لا يزال قادة أوكرانيا الحاليين يصارعون لفرض الاستقرار المتزعزع، خصوصاً في المناطق الشرقية حيث يتمركز الثوار، وذلك منذ أطاح المحتجّون الانفصاليون بحكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش السنة الماضية. لكن الحصول على معلومات حول أهداف المتمرّدين ونواياهم وقدراتهم، جعل دعم الموالين للحكومة الروسية شبه مستحيل. حاولت كييف التعاطي ـ عسكرياً وسياسياً ـ مع المبادرات الروسية وكذلك مع المنشقين، وغالباً ما كان ينقصها الرؤية الواضحة عما إذا كانت هذه المبادرات حقيقية أو خادعة، أو حتى ضمن مسار اللعبة التي ينتهجونها. حتى أن فكرتهم حول أعداد الثوار أو كمية الأسلحة التي لديهم كانت باهتة. وتستمتع موسكو في الوقت عينه، بسيطرتها على كييف استخباراتياً، وهي تستخدم هذه الميزة التي تتمتع بها لاستمالة شروط اللعب لمصلحتها.
لا يمضي الوقت في مصلحة أوكرانيا. وإذا عكسنا المعادلة، نرى أنه على كييف تكثيف جهودها الاستخباراتية والمكافحة للتجسس، وهذا لن يحصل بمعزل عن تطوير وإصلاح جذريَيْن في جهاز الأمن الأوكراني. لا يمكن فقط الاعتماد على المساعدات الغربية فالغرب سيبقى دوماً مقصّراً حيال التعاطي مع المصادر الموثوقة شرق أوكرانيا التي أُعدّت مسبقاً من قبل الروس. فالتحوّل السياسي الجاري في أوكرانيا والانتخابات النيابية التي حصلت منذ فترة، يعطيان حكومتها فرصة الإطلالة على هذه الأداة الرئيسية الأمنية، وإلّا فستبقى مصداقية أوكرانيا وسيادتها موضع تشكك وتساؤل.
عقر دار موسكو
ثمّة أربعة عوامل ساهمت في دخول روسيا هذه الحرب الاستخباراتية الجارية. أولاً، استعداد روسيا منذ فترة طويلة للحرب الحالية في أوكرانيا ـ صراعٌ يجمع بين التجسّس والتسلّح، الضغط الاقتصادي، حرب المعلومات، والمناورات السياسية. وتستخدم روسيا كلّ هذه الأدوات من دون عناء، وهي مهارة ورثوها من أسلافهم السوفيات وطوّروها بما يتلاءم مع متطلبات العالم اليوم، للتأثير قدر الإمكان اقتصادياً وعملياً على أرض الواقع. ما يؤكد اعتراف قائد الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، السنة الماضية بأن «الوسائل غير العسكرية» أصبح لا غنى عنها في روسيا، وهي تتجاوز في أحيان كثيرة قوة النيران التقليدية من حيث الأهمية.
ثانياً، حافظت أجهزة الاستخبارات الروسية على موطئ قدم لها في أوكرانيا منذ عقود إنه وجود يضرب عميقاً في جذروه منذ كان جهاز الاستخبارات الأوكراني فرعاً محلياً للـ«KGB». وتغلغل النشطاء الروس، وغالباً أولئك الذين يعملون لمصلحة جهاز الأمن الاتحادي «FSB» خليفة الـ«KGB»، في صفوف الشرطة الأوكرانية ووكالة استخباراتها. وقد ملأ المتعاطفون مع الروس كما عملاؤهم الذين ينتمون إلى جهاز استخباراتها العسكري الأجنبي «GRU»، صفوف الجيش الروسي. مجهّزين بأدوات تجسّس عالية الجودة والتطوّر، وتتركز مهامهم على تحديد الوحدات العسكرية الأوكرانية، كشف خططها، وإجراء عمليات شبه عسكرية ضدّهم. كذلك عملت وزارة الداخلية بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية على بناء شبكاتها الواسعة في البلاد.
ثالثاً، تحافظ أجهزة الاستخبارات الروسية على وجودها الفعّال على الحدود الأوكرانية وتعلن عن ذلك جهاراً. استفادوا كثيراً من التدفق الحرّ للشعب بين البلدين، والذي لم تبذل أوكرانيا مجهوداً يُذكر لإيقافه. فعلى سبيل المثال، هناك أدلّة كثيرة على استجواب أجهزة الاستخبارات الروسية اللاجئين الأوكرانيين الذين يعبرون الحدود الروسية، تحت ذريعة جمع البيانات حول جرائم الحرب. قد تكون هذه المعلومات حول الحكومة الأوكرانية ذات قيمة لناحية الاطّلاع على مواقع المخيمات ومراكز المقاتلين الاستراتيجية، فضلاً عن التكتيكات التي يستخدمونها.
رابعاً وأخيراً، امتلكت موسكو ميزة المحرّك الأول للأحداث منذ بدء الصراع. فقدراتها الاستخباراتية العالية تعني أنها قادرة على الحفاظ على خياراتها مفتوحة، تغيير استراتيجيتها وأهدافها أسبوعاً بعد أسبوع. وفي الواقع، فإن هدف موسكو الأوضح منع كييف من قمع المتمرّدين، مهمة أثبتت أنها ناجحة بامتياز.
لا تثق بأحد
لم تكن كييف مستعدّة لتحدّي موسكو. فالحكومة لم تكن جاهزة بعد لوضع ثقتها بمكوّناتها العسكرية، الشرطة، وقوات الأمن. وهي تمتلك كامل الحق بالتشكيك بالمتسلّلين الموالين لروسيا. قد يكون القادة الأوكرانيون بالغوا في تقدير الحجم الفعلي للتغلغل الروسي، لكن عدم ثقتهم بقدرة قوّاتهم النظامية الخاصة، دفعهم إلى الاعتماد أكثر على الميلشيات غير الرسمية، وذلك في وقت مبكر من بدء الصراع. والحقيقة أنّ بعض هذه الميليشيات المناوئة لروسيا أثارت التطرّف اليمينيّ وأذكت جذوة الصراع.
تعمل كييف منذ ذلك الحين على تقليص عديد قواتها، لكنها تخوض معركة شاقة. والمفارقة، أن أضعف أجهزتها هو جهاز الأمن الأوكراني، أو إدارة أمن الدولة «SBU»، المنظمة المكلّفة مكافحة الخلايا الأجنبية ودعم حملات مكافحة التمرّد في الشرق. وبحسب الخبير الأمني الأوكراني البارز في عهد يانوكوفيتش، فإن ثلاثين في المئة من موظفيها كانوا من الروس مع بداية هذه السنة. فالتورّط الروسي في عمق إدارات أمن الدولة لم يكن سرّاً خافياً. وقد اعترف النائب السابق لرئيس المنظمة عام 2010، أنّ العملاء الروس لم يكونوا فقط ضمن جهاز أمن الدولة «SBU»، بل أن هذه المنظمة وقّعت اتفاقاً رسمياً مع «FSB»، والتي سمحت لموسكو بتجنيد عملاء من داخل الحكومة الأوكرانية. وفي كانون الأول عام 2013، خضع فريق مؤلف من ثلاثين ضابطاً من «FSB» لدورات تدريبية في جهاز إدراة أمن الدولة «SBU»، كما اجتمعوا مع مدير الجهاز الذي فرّ لاحقاً إلى روسيا مع اثنين من النواب السابقين واثنين من رؤساء الوزارة السابقين.
ورث رئيس جهاز أمن الدولة الجديد، فالنتين ناليفياشينكو، جهازاً غير جدير بالثقة، تنتشر أسراره في كلّ مكان. وكان قد صرّح في لقاءات حديثة، أنه عشية الإطاحة بيانوكوفيتش، «عمد العملاء الروس إلى التخلّص من كل الملفّات والمحفوظات السرّية للاستخبارات الأوكرانية، وهي التي تشكل العمود الفقري لمهنيّي جهاز الاستخبارات هذا». ومنذ ذلك الحين، يعاني هذا الجهاز فراغاً كبيراً، حدا بالمسؤولين عنه إلى الهروع لاستبدال القيادات القديمة بمتطوّعين مخلصين. وما لبثت كييف أن أصدرت منتصف تشرين الأول الماضي قانوناً بقضي باستئصال كافة معاقل الحقبة الروسية من الأجهزة الحكومية، بما فيها جهاز أمن الدولة، الذي درس حوالى 20 في المئة من موظفيه في المراكز التدريبية الروسية أو عملوا لدى الـ«KGB» وذلك بحسب ناليفياشينكو.
وكان أحد الضباط الأميركيين قد أسرّ لي أن عملية التنظيف هذه كلّفت الكثير على مستوى الخبرة والمهنية، «فبعض الموظفين الجدد لا يزالون أطفالاً. يقومون بأعمال لم يدرّبوا عليها جيداً». وقد تستغرق عملية التدريب هذه، وكذلك بناء جهاز أمنيّ حقيقيّ شهوراً أو حتى سنوات. سيخسر الأوكرانيون بعض المواهب من أجل لا شيء، فليس كلّ عميل لدى الـ«KGB» جاسوساً روسياً. وبعض الذين ظلّوا في هذه الإدارات يظهرون ولاءً منزّهاً، لكن هذا لا يمنع من إمكانية أن يضعفوا تحت تأثير الرشوة والابتزاز.
ليست كييف العاصمة الوحيدة التي تتخبّط في مواجهة هذه الميزة الروسية. فالاستراتيجيون الأوروبيون والأميركيون يعانون بهدف التأقلم مع هذه الحرب الهجينة الجديدة شرق أوكرانيا. فقبل اندلاع أعمال العنف في الربيع الماضي، لم يعانِ الغرب من مشكلة الاستخبارات في أوكرانيا، بل كان تركيزه منصبّاً على آسيا، الشرق الأوسط وروسيا. فقد كلّفت هذه الرقابة على الاستخبارات الأوكرانية الحلفاء الغربيين وقتاً ثميناً في بداية الصراع. ونتيجة لذلك، فها هم يفتقرون إلى عملاء مخلصين لهم على الأرض، فضلاً عن أنهم يفتقرون إلى قدرات تحليلية على أرض الواقع، ما يقلّل من قيمة المعلومات الاستخباراتية التي يمكنهم الحصول عليها.
يمتلك الغرب بعض الأدوات التي أثبتت أنها غير كافية بالمرّة. وعلى سبيل المثال، على رغم امتلاك الغرب والولايات المتحدة تحديداً، التكنولوجيا المتطوّرة ـ كمراقبة الأقمار الاصطناعية والتنصّت التكنولوجي ـ لا تزال روسيا تفاجئهم بسيطرتها على حين غرّة على شبه جزيرة القرم. وذلك لأن موسكو كانت قد اتخذت خطوات لتقليص نقاط الضعف لديها، بما في ذلك الإبقاء على قواتها كما فرقتها السرّية مستعدّتين للانتشار. واستطاع الكرملين تضليل المرافقين من خلال تنظيم المناورات العسكرية التي بدّدت شكوكهم حول النوايا الحقيقية ونقلت الأوامر الحاسمة عن طريق البريد أو خطوط الهواتف الأرضية بدلاً من إشارات البثّ الأكثر ضعفاً.
منذ انتقل الصراع إلى شرق أوكرانيا، وجد الغرب نفسه متراجعاً أكثر. إذ أثبت التحدّي المتمثل في دمج العملاء الغربيين في المنطقة أنه أمر صعبٌ للغاية. وقد أخبرني مسؤول استخباراتي بريطاني أن هذه «ليست البيئة الملائمة لزرع عميل هنا أو هناك ساعة نشاء، من دون توفير غطاء متين له، لأنها عملية تحتاج الى وقت طويل». وعلاوة على ذلك، فإن المنطقة لا تملك سفارات أجنبية لإيواء العملاء أو لحمايتهم خلال عملهم.
وكذلك، فإن مثل هذه السلطات الانفصالية لا يمكن التنبؤ بسلوكها. قد لا يكون أيّ جاسوس في مأمن من الضرب والسجن، أو أسوأ من ذلك إذا وقع في أيدي المتمرّدين، الذين يضعون قوانينهم الخاصة بهم. فالمهمة ـ هنا ـ ليست كمثل التجسّس على بلد بكامله في تسلسل هرميّ وسياسة واضحة. وحتى مسألة تحديد ما إذا كان المتمرّدون يتصرّفون من تلقاء ذاتهم أو بصفتهم عملاء، أمرٌ يصعب تحديده، إذ يبقى الجواب ملتبساً علينا في النهاية.
مع ذلك، ومن دون هذه المعرفة، ستبقى السياسة الغربية غير محسومة كما هي اليوم. وتستخدم موسكو ـ في الوقت عينه ـ مزاياها الاستخباراتية للحفاظ على الجمود الدموي البائس، آملة في أن يقدّم الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو تنازلات هائلة للمتمرّدين، ومن شأن هذا، السماح لبوتين بإعلان فوزه من دون الدخول جدّياً في الحرب. وحتى مع احتمال إرساء تسوية سلمية كاملة، فإن موسكو ستبقى رابحة ما دامت كييف تخسر.
تعليقات
وفي ما يلي بعض ما ورد من تعليقات على المقال:
«منذ تخلى الأوكرانيون عن سلاحهم النووي مع حلول عام 1990 أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تخضع قواتهم العسكرية لأيّ نوع من التدريب لمواجهة عدوان خارجي. ويبدو أنه ليس لدى بوتين أيّ عذر لإعلان الحرب على أوكرانيا. على روسيا الإيفاء بوعودها بموجب مذكرة بودابست عام 1994. ووفقاً لهذه المذكّرة، فإن الولايات المتحدة وضعت ـ كما وروسيا وبريطانيا ـ أوكرانيا كطرف في الوثيقة التي تنصّ على عدم انتشار الأسلحة النووية، وأثرت عليها في جعلها تتنازل عن ترسانتها النووية لمصلحة روسيا».
«لطالما كان تقييم كيسينجر لروسيا صحيحاً وسليماً، بينما لم يكن تقييم بريجينسكي كذلك، وهذا لا يبرّر التحيّز ضدّ الروس، فروسيا دخلت إلى دولة ذات سيادة واحتلّت قسماً منها كما فعل الناتو في حالة كوسوفو، كلّ منهما له أعذاره ومبرراته الخاصة. يرى الناتو أن تدخل روسيا لتقديم المساعدات للمتمردين سافر، بينما تؤكد روسيا حقها في إجراء انتخابات في شبه جزيرة القرم مع جنودها الذين بلغ عددهم 25.000، بهدف الاستفتاء على حكومة القرم. وأجري هذا التصويت العادل وفقاً لقوانين حقيقية وتحت إشراف مراقبين أجانب».
«أوكرانيا الآن دولة مجزأة قد لا يمكن إصلاحها في الوقت الذي تتجه فيه روسيا إلى تحالف اقتصادي مع الهند الصينية، وهذه مصيبة يبدو أن الكابيتول هيل لم يفقه معناها حتى اللحظة. فهل تتجه روسيا نحو الشرق؟ هل تحويها الصين إلى حدّ جعلها مستعمرة من مستعمراتها؟».
«خلق بوتين نظامه العالمي الجديد في إشارة منه إلى أوباما وجماعته. أظهر أن الاستخبارات الأميركية ـ كما الإعلام ـ بدت حمقاء ومضلّلة لسنوات. بوتين يعرف كيف يحرّك جنوده على رقعة الشطرنج. بينما يحكم الغرب رجال ضعاف. فكلّ الأوكرانيين ممن تخطوا الثلاثين من العمر تدرّبوا في روسيا، أي أن النخبة هي صنيعة روسية. كان لدى أوكرانيا فرصة عام 1991 أن تحذو حذو دول البلطيق غير أنها رفضت. حتى استطلاعات الرأي اعتبرت بنسبة 50 في المئة أن الحكومة الجديدة المنتخبة في أوكرانيا غير شرعية. هناك مبالغة في الحديث عن أعداد عناصر الاستخبارات الروسية المتواجدة في أوكرانيا».
«سيحارب الأوكرانيون لاسترداد حقوقهم حتى لو أخذ هذا منهم وقتاً قد يستغرق سنوات، خصوصاً بعد أن يُسلّحوا ويُدرّبوا جيداً، وستكلّف المقاومة الأوكراينة الروس غالياً».
«أوكرانيا تحقق في بعض المزاعم التي تدّعي بأن روسيا تمنع إعطاء تأشيرات الدخول في سيفاستبول، ما يؤجّج المشاعر الانفصالية في القرم تمهيداً لتدخل عسكري محتمل».
«هل يرغب البعض الآن في أن يكون هتلر هو من كسب الحرب العالمية الثانية؟».
صحافة أميركية
وفي مطلع السنة الحالية، أي في خضمّ الأزمة الأوكرانية، صبّت الصحافة الأميركية جام اهتمامها على الأزمة الأوكرانية. وإذا كانت غالبية التقارير آنذاك تتناول الأحداث الآنية، فإن ثمّة تقارير اختصّت بدور الاستخبارات الروسية في أوكرانيا، وحتّى في ضمّ شبه جزيرة القرم.
ومن الطبيعيّ ألّا تتوفّر في تلك التقارير الموضوعية المرجوّة، فلا عاقل يصدّق أنّ الصحافة الأميركية قد تمدح الاستخبارات الروسية، حتى لو كان ذلك في سبيل نقد استراتيجيات الإدارة الأميركية. وفي ما يلي استذكار لبعض تلك التقارير.
تمويل الشبكات الاستخباراتية
وفقاً لتحقيق معمّق نشرته مجلة «تايم» الأميركية أوائل أيار الما ضي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمد خلال العقد الماضي إلى تأسيس شبكة عمليات استخباراتية وتجهيزها وتمويلها، وهي مكشوفة وسرّية في البلدان المحيطة كافة، من إستونيا الواقعة على البلطيق إلى أذربيجان في القوقاز، لاحتواء أيّ حدث دراماتيكي كالذي شهدته أوكرانيا.
ينقل التحقيق عن مسؤولين استخباراتيين من الغرب ومن شرق أوروبا أنّ بوتين طبّق خلال الفترة الأخيرة خطة مدروسة بعناية لاحتواء أيّ ضربة للمصالح الروسية في البلدان المجاورة، وبالتالي احتواء أيّ توسّع للنفوذ الغربي. ويؤكّدون أنّ خطواته الأخيرة لم تكن عبارة عن انفعال همجي لدبّ حوصر في الزاوية.
يصف هؤلاء المسؤولون العمليات الاستخباراتية التي تجريها موسكو بأنّها «قوّة ناعمة بأطراف حادّة» وتتضمّن استراتيجيات وأدوات مواجهة تشبه ما كان سائداً أيام الحرب الباردة. تقليدياً، كان هذا التوصيف علامة مسجلة لمصلحة الاستراتيجيات الأميركية في أوروبا الشرقية وباقي البلدان النامية.
ولكن يبدو أنّ الكرملين يستفيد أيضاً من إنشاء الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي ترفع رايات حقوق الإنسان والأقليات، أو النوادي الاجتماعية ذات الأهواء القومية لتعزيز روح الانتماء الروسية العليا في المجتمعات التي تنتشر فيها.
وتظهر جهود تلك الجماعات والخلايا النائمة في تحفيز نشاط الأقليات الروسية المنتشرة بمعدلات عالية في البلدان المجاورة. 25 في المئة في إستونيا و40 في المئة في لاتفيا.
إلّا أنّ هناك هدفاً ثانياً أكبر للاستراتيجية التي يعتمدها الكرملين في هذا الإطار، ويتمثل في مواجهة النفوذ الغربي في البلدان المجاورة. صحيح أنّ الترسانة العسكرية التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي عظيمة، كما تتيح مادته الخامسة تدخل أيّ دولة لنصرة من يتعرّض لهجوم، غير أنّ الجهود الاستخباراتية الروسية في البلدان التابعة للحلف، إنما الضعيفة نسبياً، تُعدّ فعالة بقدر العمليات العسكرية.
وهذا تحديداً ما يُعقّد توصيف «الاحتلال الروسي» للبلدان المجاورة، وبالتالي إمكان تدخل الغرب عبر قواته الأطلسية. وهذا أيضاً ما يضرّ أكثر بالولايات المتّحدة وأوروبا كونه يقزّم دور الحلف وإمكان مناورته.
ويعلّق مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» السابق جون ماكلوغلين في حديث للمجلة، قائلاً: «إذا عمد فلاديمير بوتين إلى تحدّي حلف شمال الأطلسي بطريقة تشلّ عمله وفقاً للمادة الخامسة، فإنّ ذلك سيكون خنجراً في قلب الحلف».
ومما يظهر، فإنّ الجهود الروسية تكثفت كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية ووصلت إلى عقر دار الناتو نفسه، إذ اكتشف مسؤولوه قبل أربع سنوات عميلين روسيين مزعومين ينشطان في مقرّه الأساسي في بروكسل.
وخلال الأزمة الأوكرانية الأخيرة، اتضح أن موسكو أصبحت واعية أكثر لأهمية الدعاية القومية والسياسية في محيطها، وهي تنفذ خططها مدعومة بتشريعات ذكية كالقانون الذي أقرّه البرلمان بدفع من الرئيس بوتين، ويجيز لإدارته حماية الأقليات الروسية في المحيط.
«تشبيح»
وفي أواخر آذار الماضي، كتب موقع «دايلي بيست» الإخباري الأميركي، أنّ «عصابات الجريمة المنظّمة ساعدت بوتين في السيطرة على القرم»، بما يُفهَم إلصاق صفة التشبيح التي لطالما تحدّث عنها مارك غاليوتي، على عملية ضمّ القرم إلى روسيا.
ويقول الموقع الأميركي: إن عصابات الجريمة المنظمة ـ «المافيا» ساعدت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السيطرة على شبه جزيرة القرم، وربما تفتح الطريق أمامه للسيطرة على مزيد من المناطق المتحدّثة بالروسية في أوكرانيا. إنّ مشاهد ظهور قيادات العصابات وإصدار أوامر لرجالهم أصبح شائعاً بشكل متزايد في المناطق الأوكرانية القريبة من الحدود الروسية. وتقول ديانا بيرغ ـ إحدى الأوكرانيات ـ إن قيادات العصابات بدأوا يظهرون على هامش الاحتجاجات، وهم في منتصف العمر أو أكبر، ويرتدون زيّاً أفضل من هؤلاء الذين كانوا في طليعة الاحتجاجات. وأصبح التحريض الشعبي لمصلحة روسيا أقل عفوية وأكثر تركيزاً في الأيام الأخيرة.
ويذهب الموقع إلى القول إنه منذ قيام روسيا بضمّ القرم، قال كثيرون ممّن يؤيّدون وجود حكومة موالية لأوروبا في كييف إن هؤلاء الزعماء ربما يكونون محرضين من جهاز الاستخبارات الروسي أو من قوات «سبيتسانز» الخاصة التي تسللت إلى أوكرانيا من أجل التخطيط للمشاعر الموالية لروسيا. إلا أن بيرغ التي قامت بتنظيم مسيرة مؤيدة لأوكرانيا، والتي طُعِنَ خلالها طالبٌ حتى الموت على يد «بلطجية» موالين لروسيا، تقول: إن هناك تفسيراً مختلفاً ومرعباً بشكل ما، ويتمثل باليد المشؤومة للجريمة المنظمّة».
كما نقل الموقع عن نائب عام رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بالسلامة الشخصية، قوله إن السفاحين المحليين يعملون في الاحتجاجات الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا، ويساعدون في توجيهها وفقاً لتعليمات جماعات الجريمة المنظمة المرتبطة بالكرملين. ويشير تحديداً إلى جماعة «سيليم» سيئة السمعة والتي ارتبطت لسنوات بالرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانكوفيتش، الذي كان حاكماً في دونيتسك في شرق البلاد.
ويقول «دايلي بيست» إن وسائل الإعلام العالمية تأخرت في التركيز على العلاقة السامة لجماعات الجريمة المنظّمة بالقرم والفساد السياسي والسياسة.
سنودن
وفي أواخر آذار أيضاً، كتبت «نيويورك تايمز» الأميركية تقول إنّ إدوارد سنودن، الموظف السابق صاحب تسريبات وكالة الأمن القومي الأميركي، يقع تحت تأثير أجهزة الاستخبارات الروسية. وذلك في محاولة إلى «شيطنة» روسيا أكثر وأكثر، لأنّ القاصي يعلم قبل الداني مدى الكره الذي يكنّه الأميركيون لسنودن.
وتقول «نيويورك تايمز» إنّ رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس يتهم سنودن بالعمل مع الاستخبارات الروسية، وإنّ مسؤولي مكافحة التجسّس، يجمعون على الاعتقاد بذلك.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أن النائب مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، قال في مقابلة مع قناة «NBC NEWS» إن الجميع يعتقدون أن سنودن يعمل مع موسكو، مضيفاً: «لن تجدوا شخصاً واحداً اليوم لا يعتقد أن سنودن تحت تأثير أجهزة الاستخبارات الروسية».
واتهم روجرز، من قبل، سنودن بأنه يعمل لحساب روسيا، ذلك من دون أن يقّدم أيّ أدلّة على ذلك، وبالنسبة إلى رئيس لجنة الاستخبارات، فإن السؤال الآن هو متى بدأ هذا العمل، هل بعد لجوئه إلى موسكو قادماً من هونغ كونغ، أم قبل ذلك عندما غادر هاواي؟