تماهي العراقة الدمشقية.. أقدم شرطي مرور في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ
لا يمكن تصوّر «تقاطع فيكتوريا» وسط دمشق، من دون شرطي السير محمد زياد شهوان. الشرطي الثمانيني الذي استطاع طيلة 50 عاماً الأخيرة تنظيم تدفق الزحام في هذه المنطقة التي تُعدّ أكثر تقاطعات قلب العاصمة السورية دمشق ازدحاماً، غدا مع الأيام جزءاً من كيمياء المكان: تربطه بالجميع علاقة طيبة تندر مصادفتها بين سلطة المرور والسائقين، يعرفه المسؤولون وأصحاب الشركات والمحال والموظفين، وبالطبع السائقون، وفي مقدمهم سائقو التاكسي في دمشق.
الشرطي شهوان، ومع أنه أحيل على التقاعد منذ سنوات طويلة تقارب ربع قرن، لكنه فضل أن يتابع عمله في المكان نفسه، متكئاً على احترام وتفهم متبادلين يجمعانه مع السائقين للدرجة التي تبدأ الأسئلة عنه وعن صحته حال غيابه على عادة الأهل والأصدقاء.
الأكثر غرابة، أنه لم ينظم أية مخالفة مرورية، كما يؤكد منذ بدأ الخدمة عام 1968، وهي حالة يندر حدوثها عموماً، مكتفياً بالتنبيه، ويبدو أن هذا الأسلوب ترك أثراً لدى أعداد من السائقين الذين صاروا يخجلون من المخالفة.
انتسب شهوان إلى سلك الشرطة عام 1968 وحسبما يفترض، فقد انتهت خدمته عام 1994، لكنه حظي باستثناء خاص لبقائه في الخدمة حتى يومنا هذا نظراً لقدرته المذهلة على جمع المتناقضات: ود بين السائق والشرطي، وتنظيم سير فريد عند أكثر عقد الازدحام في العاصمة دمشق.
خلال المدة الطويلة من خدمته، شهد الشرطي شهوان، ولا يزال، حوادث كثيرة مرّت على المنطقة، لكنه لم يفكر يوماً في التغيب عن مكانه المعهود منذ عام 1970، وعندما عانت العاصمة من قذائف وتفجيرات في سنوات الحرب الأخيرة، ظل الرجل صامداً، ينظم السير بروية وانسيابية قدر المستطاع رغم تساقط القذائف التي كان الإرهابيون المتمركزون في الغوطة الشرقية يطلقونها عشوائياً على وسط العاصمة.
إحدى تلك القذائف سقطت قرب منه لكن الله قضى بألا تصيبني بأي مكروه ، كما يقول لـ «سبوتنيك».
الشرطي الأقدم في العالم على الأرجح، هو اليوم مستمرّ في عمله كجزء لا يتجزأ من قلب العاصمة السورية، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، ومن موقع عمله الأطول مدة بشكل فريد، يشرح شهوان في حديثه لـ»سبوتنيك» أن محبته الكبيرة لعمله دفعته ليستمرّ في تقديم كل ما لديه، إضافة إلى محبة الناس والتواصل اليومي معهم، داعياً رجال الشرطة لمحبة عملهم والإخلاص له مع التقيد بالأنظمة والقوانين ومعاملة المواطن، كما يجب لكونه إبن البلد ومحور الحياة فيها، والأهم برأيه أن لكل إنسان رسالة يجب أن يؤديها على الوجه الأكمل.
سبوتنيك