عملية الدالوة الإرهابية تكشف عن «جماعة المجاهدين العائدين من سورية»
يوسف المصري
تستمر تداعيات العملية الإرهابية ضد قرية الدالوة في محافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية السعودية بالتفاعل، فعلى المستوى السياسي الداخلي أنتجت توجهاً يقوده الملك عبد الله لإجراء تعديلات في وزارة الإعلام نظراً لأن المستوى السياسي السعودي يعتبر أن من الدوافع الأساس لحدوثها هو ترك منابر إعلامية متطرفة مذهبياً تعمل بحرية على تسميم مناخ الجو العام الداخلي في المملكة لمصلحة تشجيع الإرهاب ضد الشيعة. ولكن أبعد من ذلك تجري في السعودية دراسة ما حدث في الدالوة باعتباره مؤشراً خطراً يدلل على بروز جيل جديد من الإرهاب داخلها تتشكل بنيته الأساسية من «المجاهدين السعوديين» العائدين من سورية.
وكشفت مصادر متابعة لهذا الملف عن مجموعة معطيات وفرتها دلالات عملية الدالوة وكلها تقود إلى التحسب من إمكانية أن المملكة مقبلة على موجة جديدة من الإرهاب. وتتلخص أبرز هذه المعطيات بالتالي:
أولاً – نفذت مجزرة حسينية المصطفى في قرية الدالوة في محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية السعودية، مجموعة مؤلفة من ثلاثة تكفيريين، ولكن التحقيقات بينت أنها تنتمي لجماعة تتكون من العشرات وهي تنتشر على شكل خلايا نائمة في كل المنطقة الشرقية وأيضاً في الرياض ومدن سعودية أخرى.
وبحسب المعلومات فإن الخلية المنفذة في تركيبة عناصرها تعكس صورة مصغرة عن الهيكلية العامة للجماعة المنتمين إليها، وذلك على مستوى التراتبية القيادية وجنسية أفرادها. وتظهر الدراسة الأمنية بحسب المصادر عينها أن المجموعة المهاجمة تميزت بأمرين اثنين لافتين أحدهما أن كل أفرادها من السعوديين، والثاني – وهو الأبرز في هذا المجال – يتمثل بأن أميرها السعودي كان «هاجر للجهاد» في سورية خلال عام 2012 وعاد إلى بلده خلال العام الحالي.
وطرح واقع أن أمير المجموعة المهاجمة هو «جهادي سعودي» عائد من سورية، استنتاجاً أساسياً هو الآن محل تحليل من قبل السلطات الأمنية السعودية ومفاده أن المملكة مهددة بجيل جديد من الإرهابيين، يرتكب داخلها نفس طفرة العنف التي شهدتها المملكة على أيدي «الجهاديين الأفغان العرب» الذين أعلنوا الجهاد حينها على دولهم بعد عودتهم من مهمتهم الأفغانية، ولكن هذه المرة ستتكرر موجة الإرهاب ضد السعودية تحت عنوان «المجاهدين السوريين العرب» أي العرب العائدين من الجهاد في سورية .
بكلام آخر، يوجد في السعودية اليوم تقدير أمني عقب مجزرة الدالوة يفيد بأن أمنها مهدد من احتمال بروز ظاهرة «الجهاديين السوريين العرب» بداخلها، وذلك على وزن ظاهرة «الجهاديين الأفغان العرب».
وتضيف هذه المصادر أن هذا التقدير الآنف تدعمه معطيات إضافية أبرزها أن هجوم الدالوة شكل أبرز حدث إرهابي للقاعدة وشقيقاتها ضد المملكة من داخلها، وذلك منذ بضع سنوات. وكون أمير المجموعة المنفذة هو جهادي عائد من سورية، فهذا يعني أن خطأ توسل جماعات الإرهاب في سورية لضرب نظامها، يؤدي الآن لبروز جيل جديد من الإرهابيين السعوديين، قاومهم العائدون من الشام، وذلك على نحو يكرر نفس ما حصل عقب حرب أفغانستان لجهة ظهور جيل جديد من الإرهابيين السعوديين والعرب حولوا جهادهم إلى داخل بلدانهم بعد انتهاء مهمتهم الأفغانية.
ثانياً – يرى المطلعون أن المعطى الرئيس الثاني الذي أفرزته دلالات هجوم الدالوة الإرهابي يتمثل بملاحظة الجهات الأمنية في السعودية بأن بلدهم في هذه اللحظة من انضمامه لتحالف محاربة «داعش»، يشهد حركة «هجرة جهادية» للشباب السعوديين بالاتجاهين في وقت واحد: انه فيما لا يزال يخرج سعوديون من بلدهم للجهاد في سورية على رغم قرار الحكومة للحد من ذلك ، فان «مجاهدين» سعوديين لا يزالون يعودون في نفس الوقت من «مهمة الجهاد» في سورية إلى بلدهم، ليستكملوا المهمة الإرهابية داخله. ويعد هذا الحراك ذهاباً وإياباً من وإلى السعودية أمراً غير مسبوق في تاريخ حراك المجموعات الإرهابية العالمية التي عادة ما تركز على ساحة جهاد تعمل لتزويدها بالمقاتلين كل «ساحات النصرة» الأخرى.
قضية مصطفى السحيمي
وإذا كان أمير مجموعة هجوم الدالوة يعبر عن فئة «الجهاديين السعوديين» الذين عادوا من سورية ليستكملوا القتال داخل السعودية، فان قضية المواطن السعودي مصطفى سحيمي، تؤكد أن حركة خروج السعوديين من بلدهم للجهاد في أرض النصرة السورية لم تتوقف ولا تزال مستمرة.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن سحيمي كان آثار مؤخراً جدلاً كبيراً داخل الرأي العام السعودي، وذلك بعد أن أعلنت عائلته أنه تم فقدان أي أثر له. ثم شاع أنه سافر إلى أستراليا وربما تعرض لحادثة ما هناك، ولكن تبين لاحقاً أنه قصد أستراليا بموجب خطة وضعها نشطاء داعشيون، تقضي بتهريبه منها إلى سورية للقتال فيها.
والاستنتاج الأساس الذي يقض مضاجع الأمن السعودي الآن، يفيد بأن المملكة تقف في هذه اللحظة أمام تعقيد غير مسبوق أنتجه تأثير ارتدادات الإرهاب في سورية على أمنها: فهي لم تعد فقط أرضاً ينطلق منها مواطنوها للجهاد في سورية ضد «العدو البعيد» النظام السوري ، بل أصبحت أيضاً وفي نفس الوقت «أرض جهاد» لمواطنين سعوديين بكروا بالعودة من سورية ليمارسوا الجهاد ضد العدو القريب داخل السعودية. بخلاصة أخيرة: السعودية اليوم هي أرض جهاد بالاتجاهين، بعد أن كانت أرض نصرة باتجاه واحد ينطلق منها إلى سورية، وعليه فإن موجة الإرهاب التي كانت شهدتها بعد حرب أفغانستان مرشحة اليوم لأن تتجدد كاستتباع لحرب مجاهديها في سورية وذلك على نحو مبكر.