المعلم… بالعربي!
ماجدي البسيوني
لا أعرف لماذا جاءني احساس وأنا أقرأ ما ذكره السيد وليد بن محي الدين المعلم الدليمي عميد الدبلوماسية العربية بلا منازع، قبل أيام في مقابلته مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية من أنّ ذكرياته في جامعة القاهرة وهو طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في الفترة بين 1960 و 1963 كانت حاضرة أمامه وهو يقول:
«بالنسبة إلى مصر، نحن نؤيد الدولة والقوات المسلحة، بلا أيّ التباس، في مواجهة العنف والإرهاب والتطرف، نحن ومصر، على المستوى الاستراتيجي، في الخندق نفسه…»
هذا الاحساس راودني ولا أعرف السبب، فهل كانت تطوف في خاطره أحداث مصر وسورية في تلك السنوات، والمكائد التي دبرتها واشنطن وموّلتها السعودية واعترف بها الملك سعود في مواجهة مشهورة ما بين ناصر وسعود الذي لجأ الى مصر بعد طرده من السلطة، يومها قال بالنص: إنّ المملكة دبّرت للانفصال 12 مليون دولار وليس أربعة كما أشيع… وما أشبه اليوم بالبارحة… أم أنّ هذه الأحداث هي التي دارت في رأسي وأنا أقرأ ما قاله السيد وليد المعلم؟
في المقابلة نفسها أضاف المعلم قائلاً: «… لكن موقف القيادة المصرية من سورية، ـ يقصد الآن ـ على رغم إيجابيته، فإنه لم يصل بعد الى مستوى التحدي المشترك، ونأمل أن يحدث ذلك في وقت قريب…»
يدرك الوزير المعلم أنّ مصر اليوم غير مصر عند بداية الحرب العالمية عليها، وما تلى ذلك عندما اعتلى «الإخوان» سدة الحكم، وهو الذي سبق أن انسحب والوفد المرافق له عندما وقف محمد مرسي في قمة عدم الانحياز في طهران مؤيداً لما سُمّي «الربيع العربي» في سورية، ومتهما النظام السوري بأنه «ظالم»… ويدرك المعلم تماماً أنّ قيادة الجيش المصري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي هي من رفضت أكثر من مرة دعوة مرسي بناء على مطالب آل حمد بالانضمام إلى جيش يحارب «جيش بشار الأسد» كما كان يسمّيه، ناسياً أنه الجيش العربي الأول منذ أن أطلق عليه التسمية جمال عبد الناصر وحتى الآن… والمؤكد حتماً أنّ كلّ التصريحات التي خرجت من الرئيس عبد الفتاح السيسي والخاصة بتوصيف ما يحدث في سورية من أنها عمليات ارهابية، وكذا رفض مصر الحاسم لما يُدبّر من خطط تقسيمية سواء في سورية أو في العراق، كلّ هذا وأكثر في ذهنية الوزير المعلم عندما قال إنّ موقف القيادة الآن «لم يصل بعد الى مستوى التحدي المشترك»، وهو الكلام نفسه الذي يردّده الملايين سواء في سورية أو في مصر، لكن الخطوات تسير نحو «أن يحدث ذلك في وقت قريب».
في لقاء جمعني مع واحد من الوزراء اللبنانيين السابقين ـ حقيبة سيادية ـ وله إلى الآن علاقات مع الطرفين المصري والسوري، أكد أنّ ما يحدث الآن متفق عليه بينهما، وأنّ التنسيق على أعلى مستوى، ولهذا لن تسمع إلا التصريحات الإيجابية بين البلدين، فسورية تدرك تماماً حجم الضغوط التي تمارس على مصر عبد الفتاح السيسي.
ألهذا أكمل المعلم كلامه قائلاً: «نحن نتفهّم الضغوط التي تواجهها القاهرة، وخصوصاً في المجال الاقتصادي، وحاجتها الى الدعم السعودي؟!»
أذكر ويذكر بعض الأصدقاء في سورية أنني تو استماعي إلى برقية أرسلها الملك السعودي مهنئاً الرئيس الموقت عدلي منصور بعد ساعات قليلة من إدائه اليمين الدستورية في 5/7 2013… كم كنت أتمنى أن تكون البرقية الأولى من دمشق تحديداً، لانني كنت أدرك كمّ الضغوط الاقتصادية التي ستمارس على مصر، وكنت أدرك أنّ السعودية تتحدّى قطر التي خرجت لتوّها من قيادة الملف السوري بعد انتصار الجيش السوري في معركة القلمون…!
وتمنيت أن تأخذ الجمهورية الاسلامية الإيرانية خطوات أسرع نحو مصر بعد إزاحة «الإخوان»، وتمنيت أخيراً لو أن السيد حسن نصر الله وصف ما يحدث في سيناء بأعمال يقوم بها إرهابيون بدلا من «مسلحون» في معرض تأكيده بأنّ ما يحدث في الوطن ليس اقتتالاً طائفياً بقدر كونه تخطيطاً أميركياً «إسرائيلياً» إرهابياً، وهو بالفعل كذلك… ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه…!
المعلم وليد المعلم كما يحلو لي أن أصفه دائماً أنهى كلامه عن مصر قائلاً: «لكننا نريد لمصر أن تستعيد كامل دورها العربي وذلك يبدأ في سورية».
كل من هو خارج الحلف الأميركي الصهيوني الإرهابي ويدرك ماهية المخطط الذي بات مفضوحاً، لا يجد لمصر سوى هذا الدور الريادي في العالم العربي، رغم كلّ الضغوط التي تعيش مصر تحت وطأتها، سواء أكانت ضغوطاً اقتصادية أو ضغوطاً سياسية، ومخطئ من يظن أنّ السعودية تريد لمصر دوراً عربياً فاعلاً، ليس اليوم وغداً بل منذ 1818 بعد قضاء جيش محمد على باشا ـ والي مصر ـ على «الدرعية» أول عاصمة لآل سعود والوهابية، حتى ولو كانت بتعليمات الباب العالي العثمانلي التركي.
نعم صديقك من صدقك ولهذا أعلنها المعلم وليد المعلم بأنّ دور مصر العربي يبدأ من سورية، ليس كما كان يسعي محمد مرسي بالطبع، ولكن كما عاشها ويدرك ثوابتها الطالب وليد المعلم في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة عام 1963 وحتى تربّعه على عرش عمادة الدبلوماسية العربية بلا منازع، فهل كانت الزيارة التي قام بها مدير جهاز مكافحة الإرهاب في المخابرات السورية واللقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مكتبه بقصر الاتحادية بعيداً عن الإعلام من كلا الطرفين المصري والسوري يدخل تحت مفهوم «يبدأ من سورية»؟ أم انه ترجمة واقعية للخندق الواحد في مواجهة الإرهاب…؟ لا وقت للمزيد من الانتظار.
رئيس تحرير جريدة «العربي» ـ مصر
Magdybasyony52 hotmail.com