تغريدة شهداء فلسطين: سيزهر برتقال يافا
نظام مارديني
كسر استشهاد المقاومين، أشرف نعالوة وصالح البرغوثي ومجد مطير، الصور النمطية الحزينة التي كانت تلازمنا منذ سنوات، فيها أجراس الكنائس وأصوات المآذن، حتى رائحة برتقال يافا خفتت لدرجة أننا أحسسنا وكأنها ماتت.
الشهداء قالوا لنا: سيزهر برتقالنا في أرضنا، وستقرع أجراس كنائس بيت لحم، وسيصدح صوت مؤذننا في الأقصى، وسنعطل كل أنواع الحياة في هذا الكيان الاغتصابي الاستدماري، ولن نسمح لمدننا المقدسة بأن تكون كمرآةٍ مخدوشة على قماش أكفان البجع.. أو على ضفاف الجرح الممتدّ بساتين، حيث تندلع شهاداتنا في لون السنابل.. الغزاة سيحتاجون الكثيرَ من الصابون بعد حروب الإبادة المصنوعة لملء وقت فرارهم المقبل من فلسطيننا.. وجنوبنا السوري.
الشهداء يسألون: هل حقاً نحن من الطينِ ذاته مع هؤلاء الذين جاؤوا من أساطير يهوه؟ هُم يحملونَ الأوطانَ بكذبة في المعاملة من دون حاجة لتصريحٍ صاخب على منابر كلامٍ منافق أو إعلانٍ فارغ.. ونحنُ طرائد وطنٍ تتعلّمُ الصيدَ بأجسادِ أبنائها وتهبُ الموتَ شهادة ولاءٍ لأرض تُتيحُ لهم فرصةً لعشاءٍ باذخٍ في ملكوت السماء.. نحن خُلقنا كي يُلاحقُ العالم ومضةً البرقِ في سمائنا وهو يرى كيف ينشرُ الشهيد الأخضرَ على سِعَةِ اليابسِ في كونهِ لتزهو مرايا النسيم بوجهِ طفل يبتسم في فضاء فلسطين.
يتغابى العدو عما تكوّنَ فينا قبلَ أن يكونَ لهم مّرْبَعٌ في بلادنا الممتدة منذ أكثر من عشرة آلاف سنة وحضارة معمرة لم تنل منها معاول الوهابية التي خرجت من مؤخرة التاريخ كالشمطاء غولدا مائير.. هل نتذكر صرخة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران عندما التقى لأول مرة مائير، قائلاً: يا إلهي كأنها خرجت من مؤخرة يهوه!
السؤال الذي يطرح الآن من قبل المؤمنين بهذه المقاومة البطلة التي لم تخُن التاريخ، هو هل ستكون هذه العمليات الجريئة فاتحة العام الجديد للعمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة؟ أم ستكون نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ المقاومة المؤمنة بصحة الاستشهاد من أجل الأرض التي بربحها نربح السماء؟
الغريب أن تتزامن هذه البطولة الواعية للشهداء الذين نفذوا عملياتهم في سياق دحر الاحتلال عن فلسطين مع تواصل التطبيع الخليجي مع المحتل الذي اغتصب فلسطين.. ولكن تبقى فداحةُ الأمرِ أن نسكتَ.. ولن نسكتَ.
شهادة نعالوة والبرغوثي ومطير الشجاعة، كانت بطولة واعية وإيماناً بقضية خفقت في وجدانهم لتصير في لحظات الوجد طاهرة شفافة نفاذة كالضوء.
الشجاعة من دون البطولة تهوّر مجاني.. ولا بطولة من دون شجاعة. هي فعل إيمان بقيمة الأمة وأهمية وجودها.. ولأنها تنطلق من سمو الغايات وتمضي إلى سمو النهايات، فهي فعل إيمان مؤيد بصحة العقيدة المحيية.
ليست المعركة التي تخاض الآن على صعد المواجهة داخل فلسطين المحتلة أو تلك التي تطرق باب الحدود الوهمية لسايكس بيكو التي يتبعها محور المقاومة، من العراق ومروراً بسورية ولبنان، لتوجيه رسائل عاجلة للإدارة الأميركية وللكيان الصهيوني والرجعية العربية، بأن ما كان سابقاً لم يعُد يصلح راهناً.. هذه قد تشكل لحظةً للتوازن العقلي الدولي الذي تأخّر كثيراً تجاه فلسطين، أرضاً وشعباً. ولكن هل يشكل هذا التحول الذي يُصاغ الآن دولياً إحراجاً لمشيخات التطبيع مع الكيان الصهيوني؟