الثروة الحقيقية
وصلتني رسائل عدّة على الجوال تحثّني على المشاركة في مسابقات يجني الرابح فيها مبالغ كبيرة جداً. أرقام مالية يصعب عليّ تخيّل امتلاكها، حتى إنّ هذه الأرقام آخر مرّة استخدمتها كانت في مادة الجغرافية للسؤال على عدد سكان دولة ما، ولا أفهم حتّى اللحظة ما هي الحكمة من معرفة عدد سكان بنغلادش!
المهم، فكرت لدقائق أن أجيب على الأسئلة علّ الجائزة تكون من نصيبي وينتشر اسمي في الصحف الرسمية وشاشات التلفزة. «المليارديرة» يا له من لقب جميل!
للحظات تذكرت مثل جدتي: أنا لو بعت طرابيش لصارت الناس بلا رؤوس . هل من المعقول ستلغى هذه المسابقات بعد اشتراكي؟ فتحت الجوال على الرسالة المُرسلة يا إلهي مبلغ كبير يستحق المجازفة. جذبتني طريقة كتابة الرسالة: لا تفوّت الفرصة فقد تكون من مليونيرية العام القادم. جميل هناك مجهود تسويقي واضح من حيث الكيف والكم معاً، مؤطر بتقنيات حسيّة عالية. من يستخدمونهم في صياغة هذه الرسائل يملكون الكثير من الدهاء والحنكة للعب بمشاعرنا وجذبها وكأنهم ينتعلون الحذاء الرياضي المثقوب لعمهم إبليس فيتسلل الدهاء إليهم من خلال أقدامهم ليصل إلى أدمغتهم وهم بدورهم يوصلونها للمتلقي ويدبّرون له المهالك. نعم محاولات نصب لذا سأخيّب أملهم ولن أشترك في المسابقة. بعد لحظات من مشاهدة الأصفار التي تبرق أمام المبلغ قررت أن أشترك. نعم سأشترك. ماذا سأخسر؟
ربما سأخسر الكثير لو امتلكت مثل هذا المبلغ. سأخسر إيماني بأنّ هذا الكوكب فاسد، لقد تأقلمت على فكرة أنّ هذا الكوكب أسوأ بكثير من أن يهبك مبلغاً كبيراً لقاء لا شيء! سأخسر الكثير من الأقارب والأصدقاء لأنني بالطبع لو ربحت لن أكون جمعية خيرية توزع عليهم أجزاء من هذا المبلغ! تذكرت أصحاب البورصات الذين يأكلهم القلق على مدار اليوم، ويبتلعون حبوب الضغط كما يبلع طفل كيس حلوى كأنّه على سباق مع الوقت يريد أن ينجز مهمته قبل أن تضبطه أمّه! منذ خمسين سنة كان الموت بالسكتة القلبية نادراً كالجِمال في القطب الشمالي، اليوم لا يمر يوم إلّا ويسقط رجل كالجبل بالسكتة القلبية! لا بدّ أنّ المال هو السبب فقد أضحى سيد العالم! لا حرية لنا لنختار، وبين لحظة وأخرى سنحتار، ولكنني قررت، نعم قررت ألّا أشترك وحتّى أختصر تزاحم الأفكار في رأسي سأختم بتغريدة كما يسمّونها التوتريون: لا تقف تحت الضوء بحثاً عن لفت الانتباه، كُن أنت الضوء وسيراك الجميع .
صباح برجس العلي