اليمن بين سلام مُستبعَد وهدنة ملغومة
د.وفيق إبراهيم
انتهت المفاوضات اليمنية في السويد الى وعد بإطلاق المحادثات الفعلية في الشهر المقبل مع إقرار جرعات خفيفة من اتفاقات لا ترفع الجوع عن اليمنيين ولا تعيد الاستقرار الى ربوعهم.
فهل هذا طبيعي؟
تبدو كذلك بالنسبة للأطراف المشاركة التي تقف على نقيض كامل في مواقفها، فهناك فريق يمني غير موجود فعلياً في ميدان المعارك يعكس وجهة النظر السعودية الأميركية بشكل كامل ويقيم في قصور آل سعود في الرياض. كما يوجد فريق آخر من أحزاب جنوبية تجسّد موقف دولة الإمارات وطموحاتها في السيطرة على بعض أنحاء جنوب اليمن.
بالمقابل هناك انصار الله وحزب المؤتمر والجيش اليمني في جبهة واحدة تعكس رغبة أساسية في تحرير اليمن من محتليه والمتسلطين عليه منذ أكثر من خمسة عقود.
لجهة الجرعات التي جرى الاتفاق على تطبيقها يُسجّل بعض المواكبين خشيتهم من وجود رغبة سعودية بالمماطلة في تنفيذها، خصوصاً لجهة فك الحصار عن الحديدة، فهم مصرّون على إسقاط المدينة والسيطرة على ساحلها وحصر أنصار الله وحلفائهم في مجال مقفل بحراً وجواً وبراً.
بناء عليه لن يتأخروا عن محاولة منع توفير مناخات آمنة لفتح المرفأ وتسهيل مرور الطعام الى ملايين الجياع، ولأنهم يخشون من الضغط الاوروبي والأميركي المتجسّد في الكونغرس المصرّ على وقف بيع السلاح الاميركي للسعودية وحربها على اليمن فأذعنوا للاتفاق ظاهراً، لكنهم كشفوا عن مخطط بديل وخبيث. فإذا نجحت خطة السويد لفتح موانئ الحديدة فإن السعوديين وضعوا خطة للإمساك بكامل مياه هذا البحر تكون بديلة عن حصار الساحل الغربي بمفرده، لقد جمعت السعودية دول البحر الأحمر باستثناء اريتريا تحت مسمّى قمة دول البحر الأحمر التي تضم الى جانبها مصر والسودان والصومال وجيبوتي معلنين اتفاقهم على تأمين سلامة الملاحة الجوية والتجارة في كامل البحر الأحمر.
لماذا هذه الاتفاقية وفي هذا التوقيت بالذات؟ قد تبدو الأهداف بريئة، لكن أهدافها البعيدة تذهب الى تعطيل محتوى اتفاقية السويد الخاصة بالحديدة، وذلك بالتشويش على حركة نقل المواد الغذائية من البحر الى مرفئها وصولاً الى كامل اليمن، فيبقى الحصار منصوباً وقائماً إنما من جهة البحر الأحمر بامتداداته نحو قناة السويس المصرية ومناطقه المتداخلة مع المحيط الهندي من ناحية جيبوتي.
قد لا يأخذ التعطيل شكل منع كامل متجهاً الى اختلاق أنواع مختلفة من تعطيل الملاحة لأسباب متنوعة فيحققون غرضهم بفرض استمرار الجوع والاضطراب وعدم معالجة المرضى ومنع الاستقرار وتعطيل إمكانية الاتفاق بين اليمنيين، تكفي أن تتعرّض باخرة واحدة متجهة الى اليمن الى إطلاق نار حتى تتعطل حركة الملاحة.
هناك أيضاً حلفاء لهذا المخطط وأولهم «إسرائيل» التي لم تشارك في القمة، لكنها تشكل جزءاً اساسياً منها كانت الرياض حريصة على عدم إظهارها لتجنب الانتقادات العربية والإسلامية، لكن القدرات النارية لاسرائيل بحراً وجواً هي في خدمة دول قمة البحر الأحمر وذلك لانسجام الاهداف والتطلعات بينها، يكفي أن مدير المخابرات الإسرائيلية اعترف انه زار الرياض مؤخراً وأكثر من مرة فماذا كان يفعل، ألمجرد السياحة؟
انها بالتأكيد لتنسيق المواقف من اليمن والقضية الفلسطينية.
فإذا كانت السعودية لا تريد المفاوضات فلماذا سمحت لاعوانها اليمنيين بالمشاركة فيها؟
هذا سؤال وجيه لكن الإجابة عليه تذهب الى تأكيد أن هجوم مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين على الرئيس الاميركي ترامب لرفضه محاسبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتهمة قتل الإعلامي الخاشقجي وتقطيع وتشريح جثته وتسييلها في القنصلية السعودية في اسطمبول التركية، هذا الهجوم طال ايضاً المشاركة الأميركية المؤيدة للسعودية في حرب اليمن واتسع ليشمل الدول الأوروبية والمعارضات فيها، هؤلاء يشنون انتقادات قاسية على آل سعود مطالبين بقطع العلاقات معهم وتجريم محمد بن سلمان ومحاكمته.
هذه الضجة العالمية ضد آل سعود فرضت مفاوضات السويد لمحاولة احتواء الغضب الغربي من إبن سلمان وترامب في آن معاً.
ولأن السعودية لا تريد وقف حربها على اليمن فقد قبلت بمفاوضات السويد شكلاً على أن تنسقها مضموناً وذلك بجعل الوفد اليمني المؤيد لها يطرح مواقف يبدو فيها منتصراً ويجذب من خلالها رفضاً أكيداً من أنصار الله وحلفائهم، فهذه الطريقة تمرحل المفاوضات الى أشهر متعددة من دون وقف حقيقي لإطلاق النار ومع فرض تقنيني شديد على حركة إرسال الغذاء الى الجياع في الداخل.
وتعتقد الرياض أن هذه الطريقة تؤدي الى إسكات الأصوات الغربية المعارضة للحرب، وتؤمن في الوقت نفسه ظروف استمرار المعارك حتى انهيار مناطق أنصار الله وحلفائهم جوعاً وقتلاً.
ما يدل على وجود هذه الخطة ان وفد الرياض اليمني رفض فك الحصار وفتح مطار صنعاء دولياً مانعاً بذلك الحركة الطبيعية لنقل المؤن الى المناطق المحاصرة.
لا شك في أن لدى اليمن المحرّر الكثير من الأفكار التي تفضح الموقف السعودي في اليمن، فماذا لو طالب اليمنيون بسحب القوات الأجنبية من اليمن بما فيها «القوات الإيرانية» المزعومة.
هذا لن يؤدي إلا إلى إخراج عشرات آلاف المرتزقة من كافة الجنسيات ومعهم بضعة آلاف سعودي وإماراتي، كل هؤلاء ينضوون في القوات السعودية والإماراتية الغازية، لكنهم لن يعثروا على إيراني واحد في كل المناطق المحررة.
وهكذا يواصل السعوديون والإماراتيون التآمر على العرب تاريخاً وحاضراً بتغطية من الأميركيين والعدو الاسرائيلي مقابل جهاد كبير ومنتصر من محور المقاومة ويمن الصمود المنتصر دائماً على الغزاة.