بورصة الآراء

بين الواقع والحلم أنفاس هي مختلَسة من فصول التجربة المُرّ فنجانها في عزّ العتمة تلك، إنّها العتمة الماحقة لمعنى الإنسانية من قاموس المفردات الخلاّقة الجاحدة بها رحى الثواني، والتي جعلت الأكثرية تقول ما قد تكون مقتنعة بصدقه بما يقارب 20 على حدّ قناعتي! فقد دأب الكثير من الأكاديميين في مواقعهم الشخصية على الإنترنت على وضع جملة آرائي هنا تمثلني شخصياً وهذا تقليد فيما أظنّ مستوحىً من «الكليشيه» التي تكتبها الصحف، حيث إنّ آراء كتّابها لا تمثل توجهها، رغم أنّ هذا الأمر بديهي فهي تسعى لأن تحتوي على أكثر من رأي، وليس هذا مقام مناقشة هذا الأمر، على الأقل كي لا أكتشف أنّ هذا المقال لا يمثلني. للأمانة كثيراً ما استوقفتني عبارة آرائي تمثلني شخصياً . وكم تساءلت: هل توجد آراء تمثل أصحابها شخصياً وآراء لا تمثلهم شخصياً؟ قد يكون المقصود أنّ هذه الآراء النزيهة لا تمثل الجهة التي ينتمي إليها الأكاديمي أو غيره لذا يصرّ على كتابة أنّ آراءه تمثله! فقد تسمع خطبة الجمعة من أحدهم وهو يتحدث عن امرأة دخلت النار في هرّة حبستها، ولكن الخطيب لا يدافع عن إنسان محبوس ظلماً! فهل تتجزأ المبادئ؟ برأيي المتواضع المبادئ كالآراء لا تتجزأ. فإمّا أن نكون مع المظلوم أيّاً كان فكره وعقيدته ورأيه أو نحن مع الظالم! الظلم الذي يطال فرداً أو جماعة في المجتمع يضع مبادئ وقيم البقيّة على المحك، فلا طريق ثالثاً في القضية. منهم من سلك الطريق الثالث وهو الحياد. طُلب ذات مرّة من السير ونستون تشرشل عندما كان رئيس وزراء بريطانيا، إبداء الرأي في موضوع متنازع عليه بين حزب العمال والمحافظين، وعندما انتهى من كتابة الخطاب الذي سيلقيه أمام مجلس النواب، طلب من سكرتيره الخاص أن يبدي رأيه في الخطاب وبعد أن قرأه قال له: الخطاب جميل جداً يا سيدي، ولكنني لم أفهم هل أنت مع المشروع أم ضدّه؟! فأجاب تشرشل مبتسماً وهذا هو المطلوب تماماً! لا أدري مَن المستفيد من زيادة عدد المحايدين؟ فلا يغرّنكم من يهاجمون ثقافة القطيع. كل ما في الأمر أنهم تطوّروا وصنعوا «قطيعهم» الخاص، واستمتعوا بكونهم «القوّاد»، وتفرّغوا لوأد الأفكار والآراء خاصة تلك التي تلامس مصالحهم المعنوية. في عالمنا العربي غالبا يتم إلغاء القبض على المتهم! وغالباً يُدان السيد مجهول بأغلب الجرائم، رغم ثقة الجميع ببراءته! هل تكون محاولة الإنصاف وأن تكون أنت، وتجاهر برأيك في كل المواقف وفي أيّ قطاع أو جهة تنتمي إليها. تقول رأيك وأنت مقتنع بأنه فعلاً يمثلك ويمثل قناعاتك، محاولة الإنصاف هذه قائمة على دعوتنا إلى إعادة النظر في خريطة الواقع المبتورة ذواتها المتشظّية لنرى في مرآة المهمّشين ما لا يقوله لسان ولا ترقبُه عين.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى