ولادة الحكومة اللبنانية بعد القمة العربية الاقتصادية؟
روزانا رمّال
دخلت البلاد في أجواء من الضياع الواضح الذي يعكس الوضع الحالي الذي تعيشه الساحة السياسية اللبنانية التي كانت تتحضر لالتقاط صورة تذكارية للحكومة الجديدة، وإذ بالأنفاس تلتقط من جديد على وقع سؤال واحد مَن هو المعطل لولادة الحكومة؟
من الواضح أن المبادرة الأخيرة باءت بالفشل لأسباب تعكس حقيقة الانقسام السياسي ولو جامل البعض من أجل ولادة حكومة بحكم «العرجاء»، فيما لو لم تحل الفكرة الأساس وهي تمثيل اللقاء التشاوري بوزير واضح المعالم والبشائر وإلا سيصبح السؤال حينها لماذا تمّ تعطيل البلد من جديد بعد حلّ العقدة الدرزية إذا كان المطلوب وزيراً سنياً لا يؤيد الموقف السني الجديد الذي يمثل بطبيعة الحال السنّة خارج تيار المستقبل وهو الموقف الذي يوضع ضمن إطار سياسي محلي وإقليمي جديد يفرض لسنّة من غير حلفاء الرياض موقعاً وزارياً ويترجم المتغيرات على الساحة السنية الانتخابية.
كل هذا لم يحصل، لكنه كاد. والتضارب حول من أخلّ بالاتفاق الأخير واضح، لكن الاهم هو ما يحيط بالتشكيلة تزامناً مع مواعيد لا يمكن اعتبارها عادية في مثل هذه الظروف وأهمها تحضر لبنان لاستقبال القادة العرب للمشاركة بالقمة الاقتصادية العربية. وهنا بدأت الأسئلة حول مشاركة او دعوة سورية للقمة ما يعني الدخول بتحدٍّ سياسي كبير تبدو رئاسة الجمهورية بعيدة عنه في الوقت الراهن وكذلك وزارة الخارجية.
وفي هذا الإطار كان لرئيس مجلس النواب موقف لافت يرفض فيه انعقاد أي قمة من هذا النوع من دون سورية. وهذا إذا رتب إجراءات ومباحثات فيعني أن الامور تتجه جدياً الى تطور حكومي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقمة العربية الاقتصادية.
وزير الخارجية جبران باسيل قام بجولات عدة من أجل دعوة القادة العرب الى بيروت لحضور القمة العربية الاقتصادية. وكان من المفترض أن تكون الحكومة جاهزة بأبهى حللها لإنجاح المهمة الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على نجاح مؤتمر سيدر. القمة العربية الاقتصادية التي تبدأ أعمالها تقريباً في منتصف الشهر الأول من العام الجديد هي مؤشر جاد على اعتبار لبنان موقعاً قادراً على استقطاب وجذب استثمارات وشركات دولية تساهم في إعادة إعمار سورية كمنصة مباشرة. وهو الامر الذي تعمل عليه جهات إقليمية من كل النواحي سياسياً ولوجستياً وكل شيء سيكون جاهزاً في الوقت المحدد. ولبنان أكثر دول الجوار التي ستلعب دوراً بهذا الإطار، لكن الفرنسيين الذين يتطلعون لنجاح مؤتمر سيدر أبدوا مخاوف عبر السفير الفرنسي في لبنان برنارد فوشييه الذي حذّر المراجع السياسية اللبنانية من مغبة إضاعة فرصة مؤتمر من هذا النوع لئلا يجيَّر لدول أخرى جاهزة. وهذا يعني ان لبنان دون حكومة قد يخسر فرصة ذهبية بالنسبة للمؤيدين لمثل هذه المؤتمرات. والأهم ما نقلته الخارجية الفرنسية عن الرئيس ايمانويل ماكرون حول ما يعتبره أن نجاح القمة العربية الاقتصادية في لبنان، سيكون المشج الأول للدول المانحة في مؤتمر سيدر لهذا السبب من الطبيعي أن تستحوذ القمة الاقتصادية اهتماماً أوروبياً غير مسبوق.
ووفق هذه المعطيات عمل الرئيس المكلف سعد الحريري وبمبادرة باسيل الى طرح ليونة في موقفه باتجاه القبول بتوزير سني يختاره رئيس الجمهورية. وكل هذا بنصائح باسيلية مباشرة تحثه على عدم عرقلة التشكيل عسى أن تكون فرصة انطلاق عجلة الحكومة أقرب ومواجهة الاستحقاقات الاقتصادية متينة أكثر، لكن الحريري الذي يرغب بتشكيل حكومة سريعاً أراد استباق الأحداث بإعلان حكومته قبل انعقاد القمة الاقتصادية لما في ذلك من تأثير على قيمة المؤتمر ومستوى الحضور السياسي العربي الوازن خلافاً لانعقادها باجواء سياسية مشحونة.
مرجع سياسي بارز كشف لـ«البناء» انه لن تكون هناك حكومة قبل الأعياد وان هذا سيؤجل الى ما بعد انعقاد القمة العربية الاقتصادية لأنه من الأفضل أن تنعقد القمة التي لم تُدعَ إليها سورية في ظل حكومة تصريف أعمال. وهذا ما من شأنه إبعاد الإحراج عن أغلب الأطراف. ويضيف المصدر ان هذه المسألة ليست عرضية أو عادية من تاريخ السياسة اللبنانية والعلاقة التاريخية بين البلدين، لكن الجديد اليوم أن الانفتاح العربي على سورية صار واقعاً، وربما تكون بيروت من اليوم حتى تاريخ انعقادها مناسبة أو منطلقاً لرفع المقاطعة العربية عنها وصولاً لقمة عربية ستعقد بتونس يتوجه العرب لإعادة مقعد سورية فيها. ويختم المصدر «كلام بري الرافض لعقد قمة بدون سورية هام ولافت».
في كل الأحوال، وحده رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من يعيش القلق المزدوج من مغبة تقليل فعالية القمة العربية الاقتصادية او مؤتمر سيدر لكونه رئيساً للوزراء، ووحده ايضاً من يعيش ارتباك المرحلة المقبلة التي تتجه فيها المملكة العربية السعودية نحو انفتاح قريب مع سورية سيُعيق مهمة الحريري بالتوجّه الذي كان يرتضيه من القطيعة عام 2005. وبالتالي فإن انخراط الحريري بطبيعة المتغيرات الجديدة في المنطقة أساسي لجهة إقلاع حكومته والمهمة تقع على عاتق حلفاءه السعوديين.
وبالعودة لتشكيل الحكومة اللبنانية فان احتمال ربطها بانعقاد قمة عربية بعد الأعياد صار مرتفع الأسهم، خصوصاً أن الدخول بعطلة العيد قد بدأت ما قد يحتم سفر السياسيين الى الخارج ومزيداً من الانتظار إلا إذا طرأ ما لم يكن بالحسبان وسلكت المفاوضات طريقها في الساعات المقبلة نحو الحلحلة المبنية على تنازلات موازين القوى، خصوصاً أن حزب الله لن يتراجع بالنسبة لما يعتبره وفاء لـ«اللقاء التشاوري».