الانسحاب الأميركي من سورية يُعيد خلط الأوراق في المنطقة
د. هدى رزق
غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي من قرار الرئيس دونالد ترامب. الانسحاب من شرق الفرات. هي المرّة الأولى التي يشعر فيها نتنياهو بعجزه عن استدعاء اللوبي المؤيّد لـ»إسرائيل» ايباك والمنظمات اليهودية الأميركية الكبرى وكل شخص آخر يمكنه التأثير. جلّ ما فعله أنه أجرى محادثة هاتفية مع الرئيس وأعلن أن «إسرائيل» ستواصل العمل لضمان أمنها في سورية بدعم أميركي.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد حذّر في العام الماضي أكثر من مرة من أن خروجاً أميركياً من سورية هو من بين القرارات التي كانت موجودة على طاولة الرئيس الأميركي ويمكن أن يحدث الانسحاب في أي لحظة.
كان نتنياهو يرى أنّ انتصار ترامب هو انتصار له، فهو حصل على سفارة أميركية في القدس، وانسحب الأميركيون من الاتفاق النووي مع إيران وحمى الرئيس الأميركي كلّ مغامرات «إسرائيل». لكن وقَع المحظور الآن، فالرئيس الأميركي عارض جميع مستشاريه وزملاءه وكبار موظفيه. الذين كانوا يرون انّ الوجود الأميركي في سورية ضروري، ومرتبط بالجهود المبذولة لإبعاد إيران عن سورية وحماية مصالح «إسرائيل»، لكن هذه الوعود انتهت، فاستقال كبار الموظفين الذين قطعوا هذه الوعود، على رأسهم وزير الدفاع جيمس ماتيس.
يرى ترامب أنّ تمركز 2000 عسكري أميركي منتشر بين شمال سورية ومثلث التنف على الحدود السورية العراقية – الأردنية لا يحمي «إسرائيل» التي ترى أنّ التسرّع الأميركي يحدث في أسوأ توقيت اذ يحدّ كثيراً من احتمال أن تنجح «إسرائيل» بالفعل في الحيلولة دون ترسيخ إيران في المجال السوري. تعتقد «إسرائيل» أنّ التمركز الأميركي في التنف ضروري أيضاً للأردن و»إسرائيل» على السواء للأولى من أجل حمايتها من داعش والثانية من أجل ردع إيران ويجب أن يستمرّ التحالف الاستراتيجي بين هاتين الدولتين في النمو في مواجهة التحديات المتزايدة.
أما بالنسبة لروسيا التي فاجأها قرار الرئاسة الأميركي مع أنها دعت منذ فترة طويلة إلى خروج أميركا من سورية. رأت أنّ وجود 2200 جندي أميركي في المنطقة يزيد من تفاقم الوضع لكن تباينت ردود فعلها، أعربت بداية عن أملها في أن يؤدّي الانسحاب الأميركي إلى خلق آفاق أكثر إشراقاً لتسوية الأزمة السورية ومن ثم رحبت به.
رأت موسكو أنّ هذا الانسحاب، قد يساعد في بدء محادثات حول الدستور السوري الجديد، وهي ترى أنّ مبادرة إنشاء اللجنة الدستورية السورية لديها حظوظ أفضل بعد قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من سورية، لكن جميع الخبراء وصانعي السياسة ذوي الصلة يجدون من الصعب تأكيد إذا ما كان قرار ترامب سيفيد موسكو، على المدى القصير على الأقلّ.
تركيا من جهتها رأت انّ هذا الانسحاب سيعطيها حرية أكبر لاستهداف الأكراد لكن المحللين يشككون في قدرة أنقرة في القضاء على داعش. قال مسؤولون أتراك إنّ الرئيس رجب طيب أردوغان وضع ثقله في هذا القرار الذي اتخذه نظيره الأميركي دونالد ترامب لسحب جميع القوات الأميركية، وقالوا إنّ قرار ترامب الصادم جاء بعد أن أقنعه أردوغان أن بإمكان تركيا القضاء على آخر الجيوب المتبقية من داعش التي قال ترامب إنها هزمت تقريباً، لكن الهدف الرئيسي لأردوغان في سورية هو استهداف وحدات حماية الشعب الكردية، التي درّبتها الولايات المتحدة. كانت تركيا قد دعت الولايات المتحدة إلى وقف تدريب وحدات حماية الشعب وتقديم الأسلحة لها، مدّعية أن القوات العسكرية التركية ستكون أكثر فعالية في القضاء على داعش.
في الواقع ليس لدى تركيا حالياً قوة سورية كبيرة كافية تتمتع بالخبرة أو الشرعية الكافية لاحتواء شرق سورية سيستغرق الأمر أشهر عدة، حتى بدعم من الولايات المتحدة، لكي تحشد تركيا مثل هذه القوة.
آخر جيوب داعش هي في شرق ووسط سورية، على بعد مئات الكيلومترات من المناطق الشمالية من البلاد التي اعتاد عليها الجيش التركي. داعش قريب من البوكمال التي تبعد أكثر من 400 كيلومتر عن تركيا. ومن المستحيل أن تذهب تركيا إلى هناك. يمكن للجيش السوري وقوات الحشد الشعبي أن تتعامل معها بعد الانسحاب الأميركي.
تركيا لم تستطع حتى اليوم القضاء على هيئة تحرير الشام، أي القاعدة المتمركزة في إدلب.
لقد أعطى أردوغان تأكيدات لترامب حول قدرته على اجتثاث داعش من دون أن تكون لديه «خطة» للقيام بذلك.
الهدف الحقيقي لتركيا هو «استغلال هذه الفرصة الانسحاب الأميركي للقضاء على وحدات حماية الشعب».
لا يبدو أن الانسحاب الأميركي سيشكل فوزًا واضحًا لتركيا التي سيجتمع وزير خارجيتها مع الأميركيين في 7 او 8 كانون الثاني يناير 2019 لقد «سمح التمركز الأميركي لأردوغان بتهديد المجموعات الكردية من دون الاضطرار إلى محاربتهم. هذه التهديدات بدخول شمال شرق سورية، قد تساعده في الانتخابات المحلية في آذار/مارس 2019.
وساهم الوجود الأميركي في المنطقة بنجاح بعض الأعمال العسكرية التركية، وفي الوقت عينه منع وقوع عدد كبير من الضحايا من القوات المسلحة التركية. وضخّ في الوقت عينه المشاعر القومية من خلال معاداة أميركا بسبب حماية الوجود الكردي.
ربّما سيتغير التوازن بين روسيا وإيران وتركيا عندما تخرج الولايات المتحدة من الصورة، تمكنت تركيا من لعب ورقة اللعب على التناقض الروسي الأميركي وكانت صفقات شراء صواريخ «إس -400» الروسية الصنع وصواريخ باتريوت الأميركية وأف 35 في وقت واحد أكثر العلامات البارزة للتذبذب التركي بين القوتين الرئيسيتين.
لن تكون روسيا وإيران وسورية على استعداد لإعطاء تركيا يداً حرّة في شمال شرق سورية. دمشق ستكون حريصة على إعادة سيادتها على المنطقة بدلاً من رؤيتها تركيا تحتل أراضيها. لذا بدأت تحشد على حدود منبج. المساومات الصعبة ستجري بين أنقرة وموسكو وطهران في الأيام المقبلة. في الوقت الذي تسهل فيه موسكو صفقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي ودمشق.
بقرار خروجه يعيد ترامب خلط الأوراق، فقلق تركيا الكبير هو التحالف الكردي المحتمل مع دمشق. على الرغم من أن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قال إن هناك إمكانية أن تتحدّث تركيا مع نظام الأسد، إلا أنّ أردوغان لم يبد أيّ ميل للقيام بذلك. إذا ما توصل الأكراد إلى اتفاق مع دمشق، فستضطر تركيا الى التراجع ولن يتمّ الترحيب بوجود تركيا في المنطقة. وفي هذه الحالة لا يمكن لروسيا تكرار نموذج عفرين فالظروف مختلفة. والتنسيق الأمني الروسي الأميركي في سورية لا زال مستمراً وإنْ أرادت تركيا اجتياح المنطقة عليها الاصطدام بحلفائها في أستانة وليس أخذ موافقة الأميركيين.