المسألة القومية والعلاقات الروسية ـ الصينية
عامر نعيم الياس
شي جين بينغ، الرجل القويّ في الصين، لم يتحرّك أبداً لكسر الجليد القائم في العلاقة الروسية ـ الأميركية. لم يجبر أوباما وبوتين على الاجتماع خلال قمة آسيا والباسيفيك التي احتضنتها بلاده. ترك لهما حرّية التصرّف، وأطلق العنان لبلاده لإبرام اتفاقات مع الجانبين، وُصّفت في إعلام الدولتين بأنها «اتفاقات تاريخية». فمع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقّع الرئيس الصيني اتفاقاً حول ارتفاع درجة حرارة الأرض، وذلك قبل سنة على انعقاد القمة المناخية العالمية في العاصمة الفرنسية باريس. أما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فوقّع بينغ سلسلة اتفاقيات قبيل افتتاح أعمال قمة «آسيا والمحيط الهادئ»، أهمّها اتفاق لتوريد الغاز عبر ما يسمّى «الطريق الغربي»، وذلك بعد أشهر من إبرام البلدين صفقة تورّد موسكو بموجبها 38 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً إلى الصين. فهل تحاول بكين الوقوف على الحياد في الصراع بين موسكو وواشنطن؟ أم أنها تشارك موسكو الامتعاض من الهيمنة الغربية؟
ينقسم المراقبون في تقييم الدور الصيني إلى قسمين: الأول يرى أن أكبر دولة في العالم من حيث السكان وحتى الاقتصاد ترتبط بمصالح مع الولايات المتحدة وروسيا، تمنعها من الاصطفاف إلى جانب أحدهما، وهو ما يفسح أمامها المجال للعب دور الحكم بين الجانبين. أما القسم الآخر فيرى أن الطموحات الأميركية للتوجّه نحو الهادئ، والموقف الغربي من أحداث هونغ كونغ والتيبت ومسألة حقوق الإنسان في الصين، أمور تدفع بكين بشكل غير مباشر إلى تعزيز علاقاتها مع موسكو إلى حدّ بلورة تحالف سياسيّ ـ اقتصادي، يتجاوز تحالف الضرورة الاقتصادي بالدرجة الأولى، القائم بين بكين وواشنطن. وهنا، وعند هذه النقطة، يمكن لحظ التحرّك الروسي بالاتجاه ذاته. فالرئيس فلاديمير بوتين التقى الرئيس الصيني مرتين منذ توليه مسؤولياته بداية عام 2013، وهو ما لم يتمّ مع أيّ رئيس دولة أخرى. ومن جانبه، فإن الرئيس الصيني اختار موسكو السنة الماضية لتكون المحطة الأولى في جولاته الخارجية بصفته رئيساً للصين. وهذه السنة أيضاً كان لروسيا شرف أن تكون الدولة الأولى على برنامج زياراته الخارجية، إضافة إلى الموقف الصيني من أحداث أوكرانيا وضمّ شبه جزيرة القرم، إذ كانت الصين من الدول القليلة التي دعمت الموقف الروسي.
وفي هذا السياق، تقول «لوفيغارو» الفرنسية: «علاقة الرئيس الصيني بالرئيس الروسي تشكّل أولوية»، مستشهدةً بقول الرئيس الصيني خلال لقائه بوتين قبل يومين: «نحن نتعامل كأصدقاء، ولدي انطباع بأن شخصيتينا متشابهتان».
الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل من الواضح أن التوجه الصيني السياسي ـ الاقتصادي لتمتين العلاقات مع روسيا، ألقى بظلاله على آراء الشارع الصيني، فبحسب مركز أبحاث «Pew»، ارتفعت شعبية الرئيس الروسي في الصين من 47 إلى 66 في المئة، أما موقع «Touch today» التابع لمجموعة تينسنت، فنشر نتائج استطلاع للرأي أجراه الشهر الماضي، لحظ فيه ارتفاع شعبية بوتين في الصين، إذ وصلت إلى 92 في المئة بعد أن قامت روسيا بضمّ شبه جزيرة القرم. نتيجةٌ توضح النموذج الجاذب لبوتين في عيون الصينيين، وحساسية المسألة القومية والدفاع عن وحدة البلاد في عيون الشعب الصيني، وهو عامل مهم من شأنه أن يساهم في تعزيز التحالف الروسي ـ الصيني، وتوسيع الفجوة القائمة بين الغرب من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى على قاعدة صراع المصالح والدفاع عن المحيط الحيوي لكل منهما.
كاتب سوري