منبج… بين تفاعلات السياسة والميدان
فاديا مطر
قفزت محافظة إدلب شمال غرب سورية إلى واجهة المشهد السوري من جديد في سياق تفاهمات أستانة، وتشكل محافظة إدلب التي تتاخم تركيا من الجنوب أهمية قصوى للاحتلال التركي، فيما أعرب مبعوث الرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرينتيف، عن أمله في أن تساعد تركيا بلاده على تحويل إدلب إلى منطقة سلام. وقال لافرينتيف، في المؤتمر الصحافي بعد الجولة التاسعة من مباحثات أستانة حول سورية: «في ما يخص منطقة خفض التصعيد في إدلب، نأمل بمساعدة زملائنا الأتراك الذين التزموا بتوفير الاستقرار والأمن في هذه المنطقة».
لكن الجانب التركي حاول مراراً إقناع قيادة «هيئة تحرير الشام» بحل التنظيم بشكل نهائي، ومن ثم دمج مقاتليها بـ»فيلق الشام» لسحب أي ذرائع من قبل الحكومة السورية وحلفائها لمهاجمة إدلب. وفيما المشهد على صفيح ساخن والفشل التركي في اقناع الفصائل ازدادت الاشتباكات في اليومين الماضيين بين الفصائل ما يشعل الشمال السوري وسط مخاوف تركية من تدخل روسي وإيراني.
وتتلخّص الاشتباكات بين الفصائل بمحاولات لفرض كل طرف من المجاميع الإرهابية السيطرة لتغيير الواقع الميداني في ظل التبدلات الدراماتيكية الحاصلة في الشمال السوري. وهذا لا يعني تخلي الحكومة السورية وحلفائها عن محاولات استعادة كامل السيادة على الأراضي السورية، واتساع رقعة سيطرة الدولة السورية على أجزاء أكبر من مناطق مازالت ضمن معادلات خطوط الاشتباك.
فالفصائل الكردية المسلحة التي سقطت أوراقها بالتخلي الأميركي عنها مقابل استبدال ساحتها بساحة تعد أهم بالنسبة لواشنطن استراتيجياً وهو ما جعل تخلي الأميركي عن الورقة الكردية في سورية بمنصة انسحاب تكتيكي الى العراق كقاعدة مراقبة للحدود الإيرانية والسورية معاً، حيث التفاهمات الحاصلة بين واشنطن وانقرة في موضوع الشمال السوري ليس الانسحاب الأميركي أول إشارة لتراجعه بل وجود أنقرة كطرف ضامن في محادثات استانة يجعل منها دوراً ربما يكون أكثر فاعلية في التملص من الالتزامات الأميركية. وهو الأمر الذي انعكس على اقتتال الفصائل المسلحة الإرهابية المتعددة الانتماءات في مقابل تحضير الدولة السورية لإنهاء ورقة إدلب، فتقدم منبج التي تتقاطع فيها خطوط اقليمية ودولية كحيز منفرد في الشأن الاقليمي والدولي يجعلها العنوان الابرز لمرحلة ادلب الأكثر تحفظا من أن تكون مجرد بقعة جغرافية تستعملها تركيا لإبراز المقدرة العسكرية وهو ما يجعل انقرة مستمرة بتقديم الحشود العسكرية للحدود السورية، فتوسع سيطرة الدولة السورية مقابل الانكسار التركي في منبج هو معادلة تستنسخ نفسها على بعض المناطق الشمالية مستقبلاً وسط ضياع الورقة الكردية في تحديد موقعها بين دمشق وموسكو وباريس، الأمر الذي يجعل واشنطن تعيد القراءة في تمركزها في سورية بياناً لجدولة الابتزاز والأهمية العسكرية لمكون موالٍ لها يسمى «قسد» هو بدوره ما يبرز الفشل الأميركي ـ التركي في تغير جيوبولتيك خريطة الحدود السورية الشمالية وأهميتها الاستراتيجية في جعلها مرتكزاً لوجود غير الدولة السورية. فالمخططات التي تقاد من خارج الحدود إقليمياً ودولياً باتت أمام واقع متجدد يحمل عنوان التوجه نحو دمشق وطهران وموسكو حصراً.