رئيس الجمهورية: نخشى أن يكون الإصرار على إبقاء النازحين في لبنان مخططاً لتهجير اللبنانيين وتسهيلاً للحلول الغامضة

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لبنان يعاني اليوم من حالة تعثّر داخلي، ومن الانعكاسات السلبية لملف النازحين، وأنه من موقعه كرئيس للجمهورية، يعمل جاهداً للمحافظة على الخيارات الوطنية الكبرى التي صانت الوطن منذ عقود، كما «نعمل ومن منطلق أن جوهر الديمقراطية اللبنانية قائم على التوافق قبل أي شيء آخر، على تحقيق توافق واسع وتام من أجل البت بتشكيل الحكومة العتيدة، بالشراكة مع رئيسها المكلف».

واعتبر، في كلمة له أمام أعضاء السلك الدبلوماسي ومديري المنظمات الدولية قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا الذين جاءوا لتهنئة رئيس الجمهورية بالأعياد، بحضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والأمين العام لوزارة الخارجية السفير هاني شميطلي، انه فيما اظهرت تجارب الماضي أن عملية التشكيل كانت تتطلب وقتاً ومشاورات واسعة، لأنها لم تقم على أسس ومعايير واضحة، فإنها اليوم، وبعد اعتماد القانون النسبي ما كان يجب أن تطول لو اعتُمد منذ البدء معيار عدالة التمثيل الذي يجب أن يكون الحكم في أي خلاف. وحذر من أن الظروف لم تعُد تسمح بالمماطلة أو التشبث بمصالح الأطراف على حساب الوطن والشعب، داعياً جميع الافرقاء لتحمل المسؤوليات والارتقاء الى مستوى التحديات الجسام.

وجدّد تأكيد أن لبنان من الدول التي حملت ولما تزل، أثقل الأعباء من تداعيات حروب الجوار وتدفق النازحين السوريين، لافتاً الى ان أزمة هؤلاء لا تزال تلقي بثقلها عليه من كل النواحي، فيما مساحته وبناه التحتية وموارده المحدودة عاجزة عن تحمل هذه الزيادة السكانية التي باتت تهدّد مجتمعه. وأشار إلى أن «بإمكان النازحين العودة الى وطنهم والعيش فيه بكرامة، والمساهمة في ورشة إعادة اعماره، خصوصاً بعدما انحسرت الحرب وعادت الحياة الى طبيعتها في معظم مدنه».

واذ اعتبر أن موقف المجتمع الدولي لا يبدو واضحاً حيال مسألة العودة، «لا بل ما يرشح من مواقف للمؤسسات الدولية لا يبدو مطمئناً»، فإنه أعرب عن الخشية من أن يكون الإصرار على إبقاء النازحين في لبنان «مخططاً لتهجير من أمكن من اللبنانيين تسهيلاً للحلول الغامضة والمشبوهة التي تلوح في الأفق». وسأل: «هل قُدّر للبنان أن يدفع أيضاً أثمان الحلول والسلام في المنطقة، كما سبق له ودفع أثمان حروبها؟».

وشدّد الرئيس عون على انه برغم الضغوط الإسرائيلية المتواصلة على لبنان سواء عبر الخروق الدائمة للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية، أو عبر الادعاءات والاتهامات والتهديدات، يبقى لبنان حريصاً على تطبيق القرار المذكور والمحافظة على الأمن والاستقرار في جنوبه، لافتاً الى «أن التهديدات الإسرائيلية والضغوط المستمرة والحلول الغامضة وما تحمله من صفقات، بالإضافة الى ضرب الهوية الجامعة للأرض المقدّسة، عبر اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل وإعلان يهوديتها، كلها إشارات منذرة بالخطر ولا تنهي الحروب القائمة، بل تؤسس لحروب جديدة ولتهجير جديد وتطهير عرقي جديد».

واعاد رئيس الجمهورية تأكيد أن القدس، لا يمكن أن تكون مدينة معزولة ومحظورة، مشدداً على «ان السلام يقوم على الاعتراف بالحقوق، ولو كانت مكلفة، وعلى قبول الآخر ولو كان مختلفاً. وهو إن لم يكن عادلاً، يبقى على الورق، ولا ينسحب على الشعوب، وبالتالي لا يدوم». ان القدس، المدينة التي تحمل إرث الديانات السماوية، لا يمكن أن تكون مدينة معزولة ومحظورة فالقدس، أورشليم، تحمل جوهرها في إسمها، مدينة السلام، أرض السلام، وما يحميها ليست أسوارها ولا جدرانها. لقد سبق وأحاطتها الأسوار ولفّها الجدار عبر التاريخ ولم تتمكن من حمايتها، منذ الملك سليمان حتى اليوم.

وقال «ما يؤسس للسلام ليس الجدار ولا الأسوار ولا الدبابة ولا الطائرة… الجدار والأسوار تعزل، الطائرة والدبابة تدمران وتقتلان، فهل هذه مقومات السلام؟».

وأكد السفير البابوي وعميد السلك الديبلوماسي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتيري في كلمته، على دعم لبنان ديبلوماسياً واقتصادياً من قبل كافة اصدقائه في مواجهة التحديات سواء الداخليّة منها او الخارجيّة، ومن أجل إيجاد الحلول الناجعة والعادلة للمشاكل الشائكة، كمثل قضيّة اللاجئين السوريّين.

وتمنّى السفير البابوي تحقيق المبادرة التي أطلقها الرئيس عون حول إنشاء اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار، «لكون النموذج اللبناني يشكّل مثالاً للوطن القائم على اساس المواطنة الحاضنة للتعدّدية». كما تمنى تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن «ليستطيع لبنان الافادة من الدعم الدولي الضروري، والذي وعِد به في أكثر من مؤتمر، لا سيّما في مؤتمر «سيدر» CEDRE»، كما من شأن ذلك إعطاء صورة للمجتمع الدولي على انه شريك اهل للثقة.

واعتبر المونسنيور سبيتيري انّ السلام «خيار أساسيّ والتزام دائمُ التجدد على مختلف الصعد الجماعية والوطنية والدولية، وعلى جميع الأفرقاء المعنيّين بذل كافة الجهود من اجل الحفاظ على الالتزام بالتعهدات التي أُقرّت بفضل دعم منظمّة الأمم المتّحدة، ومن بينها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، الذي يضمنه الحضور المثمَّن لليونيفيل».

في مستهلّ اللقاء، ألقى المونسنيور سبيتيري كلمة قال فيها إنّ الانتخابات لا تختزل الممارسة الكاملة والمتواصلة للديموقراطيّة، إن من ناحية الناخبين وإن من ناحية المنتخَبين. فإتمام الانتخابات الأخيرة في جو من الأمان شكّل علامة نضج ديموقراطيّ لدى الشعب اللبنانيّ. عسى أن يُضحي تشكيلُ الحكومة علامةَ التزامٍ بمصلحة الأمّة، لدى جميع الأفرقاء السياسيين.

وأكد أن من شأن تشكيل حكومة قويّة أن يمنح الأمل الى جميع المواطنين، ويعطي دفعًا جديدًا للتقدّم الإنسانيّ، كما انّه يتيح تحقيق نموّ دائم يطاول جميع الفئات على المستوى الاقتصادي، ما يسمح بتقليص مستوى الفروق الاجتماعيّة. وفي الوقت عينه، فإنّ حكومة كهذه من شأنها إتاحة الفرصة للبنان كي يعتبره المجتمع الدوليّ شريكًا أهلاً بالثقة.

وفي إطار الواقع الجيو – سياسيّ الدائم التطوّر، امل أن يظلّ لبنان مستقرًّا وقادرًا على الإفادة من دوره الرائد في المنطقة، مستمدًّا قوّته من غنى تاريخه ومن تجربته التي استقاها على مدى الخمس والسبعين سنة الأخيرة من حياته كجمهوريّة. فلبنان يتهيّأ لاستضافة القمة العربيّة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تعقد في رحابه، بعد أيام قليلة. وهذا وقت مميّز من اجل مشاركة هذا الغنى، والتعبير عن إرادة بلد الأرز في أن يكون باعثاً للسلام في منطقة الشرق الأوسط.

واستقبل رئيس الجمهورية، الوزير السابق النائب فريد هيكل الخازن وبول وادمون ونيقولا ابي نصر، الذين شكروا رئيس الجمهورية على مواساة العائلة بوفاة المرحوم نقولا أبي نصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى