قالت له
قالت له: كيف يضمن العشاق التفاهم وهم مختلفون بغير أن يغير أحدهما الآخر وكيف يتفقون وكل منهم لا يريد أن يتغير وكل سعي للتغيير مشروع خلاف وكل خلاف تآكل في حرارة الحب والشوق؟ أليس صحيحاً أن الحب هو اللحظة الأولى التي تبدأ بالتلاشي ونمضي العمر سعياً للحفاظ عليها؟
قال لها: الحب يحيا بالقبول والرضى والتساكن مع حقيقة أن لا أحد سيجد ما يريد في الآخر إلا عندما يتوقف الآخر عن أن يكون نفسه التي أحبها فقد أحبننا المختلف وسعينا لتغييره ليصير كما نشتهي سيخلق آخرَ لا نحبه. فالسعي للتغيير في طباع وطبيعة من نحب سعي لآخر لن نحب والحب هو القبول وليس المقبول.
قالت: لكن الاختلاف يسبب الخلاف.
فقال: والتماثل يمنع التكامل والحب تقابل وتكامل كما أجساد العشاق.
قالت: وهل الحب يمنع التغيير؟
قال: بل طلب التغيير هو الذي يمنع.
قالت: كيف هذا؟
قال: في تفاعل النفس البشرية بنفس أخرى بشوق سعي للأخذ والعطاء يتبادله الناس بلا قرار. فمن نحن إن لم نكن حاصل هذه التفاعلات التبادلية مع آخرين أحببناهم أو تأثرنا بهم منذ ولادتنا. ونحن نكبر نجمع شظايانا من حكايات لا نتذكرها وبشر لا نعرفهم. فكيف عندما نحب؟
قالت: تقصد أن التغيير هو نتاج عفوي للحب وعندما يصبح طلباً باسم الحب يتعثر؟
قال: يتعثر التغيير ومعه يُصاب الحب بسوء التقدير فالبشر يتعاملون مع كل دعوة للتغيير بصفتها إعلان رفض وحالة عدوان وتنتج عندهم تشبثاً ودفاعاً عن الذات يشبه في استنفار المضادات النفسية والعصبية استنفار الكريات البيضاء في دمائنا لمكافحة كل الجراثيم الدخيلة بينما الاستسلام في النفس والجسد يجري لحساب التسلل الذي تتقنه الجراثيم المخادعة والمشاعر الصادقة.
قالت: وإن فشلت وصفتك في التغيير بالصبر والانتظار.
قال: ستفشل عندما يكون صاحب الطلب قد وضع نفسه كمعيار لأنه نفسه يجب أن يكون عرضة للتغيير لأننا نتغير من اللحظة التي نحب وتتغير فينا أشياء كثيرة باستمرار، والبعض يفشل في الحب لأنه يخشى هذا التغيير ويراه من فعل التصغير حتى أن الناس يرون أن العشاق بدأوا في الشكل يتغيرون فيتشابهون.
قالت: وماذا تقول للحبيبين؟
قال: سلموا قاربكم للتيار فهو سيتكفل بالباقي.
قالت: وهل سترحل، لأنني بذلت جهداً لتغييرك أم أنت باق؟
قال لها: تغيرت فيّ إرادة الرحيل.
قالت: وتغير فيّ رفضي للتقبيل.
فقال: تعالي إليّ نجمع التغييرين ونرى أي كفة تميل.
فمالت ومال ومالا معاً.