جردة حساب!

« المجد لله في العُلى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة . هذه ترنيمة مسيحية وصلاة. وبغض النظر عن العبارة الثالثة منها والتي تمثل الكتابة على ورق السيلوفان سندعو بالكثير من المسرات مع بداية العام الجديد..

ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً لملمها العام الماضي ورحل، وأيّ راحل يترك وراءه أشياء تذكر له تجعل الآخرين يمدحونه، أو يهجونه أقذع الهجاء. يُطلب غالباً من كلّ شخص أن يجلس جلسة صفا ويجري جردة حساب للعام الذي رحل.

في بلادنا الجميلة أضحى العام يعادل خمسة أعوام أو يزيد. تمرّ الأيام بثقل وبطء شديدين، تحسب أنك في دوامة لا تعرف كيف المنتهى!

بلادنا التي باتت ساحة لتصفية الحسابات صار خبر القتل والاستشهاد خبراً عادياً لا يجعل أحداً يغصّ بلقمة أو شربة ماء! ومن يودّ العيش مرتاح البال عليه أن يقاطع القنوات والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي كي لا يسمع أين وقعت القذائف أو الصواريخ ولا حتّى يُطرب آذانه بأخبار عن أزمة غاز أو تشرد الكهرباء أو حتى لا يستأنس بأخبار تكون أحياناً أسرع من الضوء في الانتشار عن زيادات في الأجور والحد من انتشار الفساد!

فالمدمن لنشر الأخبار وسامعها سواء، كلاهما يفسد الرغيف. فالأول غالباً تأخذه العجلة فيقدمه نيئاً، والآخر عابه البطء فقدمه محترقاً. والمستفيد الوحيد هو من يحاول إشغالنا دائماً وأبداً بالخبر وتبعياته على المنظور القريب والبعيد.

في عامنا المنصرم لم يكن الأمر يحتاج إلى شعلة ذكاء لمعرفة من المسؤول عمّا يعتري المواطن من هموم وآلام. هناك كلام لـ مهاتما غاندي يُلخّص حالنا: كلما اتحد الشعب ضدّ الاستعمار الإنجليزي، يتم ذبح بقرة ورميها بين الهندوس والمسلمين كي ينشغلوا بالصراع ويتركوا الاستعمار يلهو ويعبث بخيرات الوطن . لم أجد عبارة أكثر منها دقّة لتصوير واقع حالنا العظيم. يجعلوننا دائماً مشغولين بأشياء كانت ومنها لم تكن، يفتعلون الأزمات لإرهاق حالنا أكثر في القشور وتناسينا الجوهر. نسيج رديء من الغباء يعكس المستوى الضحل لأفكارهم الشيطانية. هو تذكير لنا أنّ هناك حالات تكمن المتعة في إجادة الغرق لا في مهارة السباحة، ويعلقون عبارات لولا مرارة الشين ما عرفتم حلاوة الزين . بالطبع الحلاوة موجودة في نفوس أبت إلا أن تستقبل العام الجديد بعبارات التهاني وتحليق الأماني وقدرنا أن نقضي عمرنا برحلة استكشاف، أو اكتشاف حلول إسعافية أو حتى طرق تؤدي لأشياء مجهولة ليست مهمة، الأهم ألّا تكون رحلة استجمام، عباس بن فرناس حاول الفرار من هذا الكوكب، ونيوتن أكدّ له أنّه سيفشل في محاولاته ولكلّ وجهة نظر وقرار..

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى