فلسطين: هل هناك انتفاضة ثالثة؟
حميدي العبدالله
في كلّ مرة تشتدّ فيها الممارسات التعسّفية ضدّ الشعب الفلسطيني، ولا سيما في القدس والضفة الغربية، وتخرج الجماهير في تظاهرات غاضبة في كلّ أنحاء فلسطين يتوقع المحللون اندلاع انتفاضة ثالثة تشبه الانتفاضة الأولى التي اندلعت في عام 1987، والثانية التي اندلعت في عام 2000، ولكن ما إن تهدأ المسبّبات الحادة لردّة الفعل الغاضبة حتى تنحسر التظاهرات وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، وتتراجع التوقعات باحتمال اندلاع انتفاضة جديدة، على الرغم من أنّ كلّ الظروف التي ساهمت في اندلاع الانتفاضات السابقة متوافرة الآن، سواء عقم المفاوضات للوصول إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، أو تراجع العمليات الفدائية ضدّ الاحتلال، أو شراسة الهجمة القمعية والاستيطانية التي يمارسها الكيان الصهيوني، وتحديداً في القدس والضفة الغربية.
لا شك أنّ هناك عوامل جوهرية كان لها دور كبير في اندلاع الانتفاضات السابقة، وغابت الآن، وبالتالي حالت دون اندلاع انتفاضة ثالثة، على الأقلّ حتى الآن.
في هذا السياق يمكن لحظ ثلاثة عوامل أساسية هي المسؤولة عن عدم اندلاع انتفاضة جديدة على الرغم من توفر بعض ظروفها:
العامل الأول، أنّ الانتفاضة الأولى في عام 1987 قادتها التنظيمات الإسلامية التي قرّرت اعتماد خيار المقاومة بعد أن تخلت منظمة التحرير عن هذا الخيار وراهنت على المفاوضات، والمقصود بالتنظيمات الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي، حيث كان لناشطي هذين التنظيمين الصاعدين في نظر الفلسطينيين في تلك الفترة دور كبير في تفجير الانتفاضة الأولى وتأمين الاستمرارية لها لفترة لم تتوقف إلا بعد التوصل إلى اتفاقات أوسلو، اليوم هذان التنظيمان لا يسعيان إلى تفجير انتفاضة جديدة، وإذا كانت لديهم النية للقيام بذلك فليس لديهم القدرة في ظلّ رفض السلطة الفلسطينية لخيار الانتفاضة، وقيام أجهزتها الأمنية بالحدّ من النشاط الذي قاد إلى اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987، حيث لم تكن منظمة التحرير قد تحوّلت إلى سلطة، وبالتالي لم يكن هناك عائق فلسطيني في وجه اندلاع الانتفاضة وتصاعدها كائناً ما كان الطرف الذي يقف ورائها.
العامل الثاني، في انتفاضة عام 2000 أي انتفاضة الأقصى كان للسلطة الفلسطينية، ولرئيسها ياسر عرفات دور كبير في التحريض على اندلاع الانتفاضة رداً على التعنت «الإسرائيلي» ورفض حكومة العدو حينذاك الالتزام بما جاء في اتفاق غزة – أريحا أولاً، وربما دفع عرفات حياته ثمناً لوقوفه إلى جانب الانتفاضة، أو على الأقلّ تسهيل ولادتها ومحاولة الاستفادة منها، واليوم هذا العامل غير موجود في ظلّ رفض السلطة اللجوء من جديد إلى خيار الانتفاضة، واستمرار التعاون الأمني بينها وبين «إسرائيل».
العامل الثالث، في الانتفاضتين الأولى والثانية، كان قطاع غزة تحت سيطرة الاحتلال، وكان للقطاع دور بارز في المقاومة التي لم تهدأ منذ عام 1967 ضدّ الاحتلال، كما كان له تأثير كبير في خلق الظروف المناسبة لاندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية واستمرارهما، اليوم غزة خارج الاحتلال المباشر وتميل إلى الهدوء لأنه ليس هناك تصادم واحتكاك مباشر بين سكان القطاع وقوات الاحتلال.
هكذا يمكن الاستنتاج أنّ الرهان على اندلاع انتفاضة ثالثة في ظلّ الظروف القائمة الآن أمر مستبعد، وستظل الهبات الجماهيرية ظرفية ومحدودة.