صرخة جبل
خلقني الله جبلاً شامخاً وافر الخيرات والظلال في بلد الحب والجمال، وتعاقبت على أرضي مختلف الحضارات الانسانية، وعشت عزيزاً عبر قرون من الزمن.
وقد بكيت عندما سمعت خطبة الجمعة الأخيرة في المسجد الأموي عندما تحدث الخطيب كيف أنّ الخير والحق المشتت لا يقاوم الظلام الموحد، كما يحدث اليوم في البلدان العربية، وكأنما يتحدث الخطيب عما يجري على أرضي التي قارعت العثماني والفرنسي وصمدت وطردت كلّ غاشم غدار، الى أن أتى زمان أراد الله لي أن أُغتصب كما اغتُصبت فلسطين.
فلسطين مغتصبة من عدوّ لا يعرف الله، وأرضي مغتصبة من أعداء من مختلف أنواع الشراذم والجراثيم.
كم أنا حزين على أبنائي، أو أقول غالبية أبنائي، بعد أن ضلت قلة منهم السبيل وأودت بحياة الباقين الى الهاوية، فصارت كلّ كلمة حق تودي بصاحبها الى احد الآبار التي سقت مياهها أشجاري التي أكل من ثمارها كلّ أبناء الوطن، صارت الآبار مقابر لجثث أبنائي الذين لم يرضوا لي أن تتشوّه صورتي بين باقي جبال الوطن.
كم أبكي عندما أرى الآبار الرومانية القديمة كيف تستقبل ولداً لي من المدنيين الأبرياء، أشدّد الأبرياء، وقد عوقب بطلق ناري غير قاتل ورمي فيه ليموت ببطء مع الجوع والمرض والبرد والظلام.
كم أحزن عندما يُقتل أحد أبنائي بتهمة حب الوطن ويُرمى جثة هامدة تحت زيتونة حزينة ويحرق منزله وتشرّد عائلته.
كم أحزن على أكثرية أبنائي المظلومين وقد تسلّطت عليهم قلة من إخوانهم الضالين وكثرة من الغرباء الأشرار…
لا عليكم يا أبنائي، سأوصل صوتكم إلى كلّ الجبال والوديان، وأخبرهم بأنكم لم تقصّروا، ولكن ما تعرّضتم له من الهوان أجبركم على الصمت، وصار يتحدث باسمكم هؤلاء القتلة الذين قدموا عنكم صورة مغلوطة وأنتم عاجزين عن تكذيبهم.
سأخبر كلّ الجبال عن ذلك المسنّ الذي تمنى الموت ليُدفن في ترابي ويرتاح مما هو فيه من قهر وحرمان، قال لي مرة: أيها الجبل… يا أبي سامحني، فقد عجزت عن الدفاع عنك ولم أعد قادراً على الدفاع حتى ولو عن شجرة زيتون أراها تسرق وتقطع وأختبئ عن أعين المغتصبين لكي لا يخطفوني مع أشجاري، في الماضي كنا نشكوهم إلى الشرطة، أما اليوم فلا شكوى إلا لله وهم لا يخافون الله فماذا نفعل؟
لقد خطفوا كلّ شيء وقتلوا كلّ شيء، ومن كتب الله له النجاة من الموت عاش ذليلاً محروماً أخرس.
يا جبال الوطن هل فلسطين مذنبة اذ اغتصبها الصهاينة وعجزت عن الدفاع عن نفسها؟
أنا مثل فلسطين مغتصب من قبل أكثر من ثمانين نوع من الصهاينة… يقتلون أبنائي ويشرّدونهم، ويقتلون أبناءكم باسم أبنائي الأبرياء، لن أقول جميعهم ولكن أغلبهم مظلومون… مظلومون… مظلومون
يا جبال الوطن أنا منكم وأنتم مني وأولادي أخوة لأولادكم فاعرفوا الصورة الحقيقية لما يجري لي ولأهلي…
يا جبال الوطن حماكم الله، وخلّصني مما أنا فيه.
جبل الزاوية