اعتذارات حضور «القمة» رسائل للعهد والحريري؟!
روزانا رمّال
بين اللحظة والثانية كانت أخبار اعتذار رؤساء الدول العربية عن عدم الحضور الى لبنان للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية تتوالى وكأنه اعتذار دراماتيكي يشبه انهياراً «مضبوطاً» في الساعات الأخيرة ليرسو عند حضور رئيسين ربما.
الموقف العربي سياسي بامتياز باتجاه لبنان، لكن اللافت أن هذه الخطوة العربية الجريئة كشفت عن مرحلة مقاطعة أو شبه عزلة يعيشها لبنان من الجوار العربي الذي لطالما بدا حريصاً على الوضع اللبناني، خصوصاً بما يتعلق بمبادرات اقتصادية تساعد على تحمله عبء النزوح او الدين العام ودعم مشاركته بمؤتمرات دولية من أجل هذا الغرض مع كل الدعم المطلوب.
كل شيء تغيّر اليوم ولا يوجد ما يوحي بأنّ لبنان على خريطة الدعم العربية الذي يبدأ معنوياً ويصل الى لحظة موقف سياسي يحتاجها في وقت دقيق لا يبدو أنّ مَن بقي فيه معني بسياسات الدول العربية. وبكلّ الأحوال تقرأ المواقف بغير اتجاهها حتى من الدول المعنية بملفات حساسة على الأرض كفلسطين المعنية بالوجود الفلسطيني على الأرض اللبنانية وما يعتريه من مشاكل وضيق حال نتيجة الخيارات الأميركية الأخيرة فغابت فلسطين بتمثيلها الأكبر أيضاً وصولاً لتمثيل مخفَّض للمملكة العربية السعودية لم يعد مهمّاً شكله او عنوانه القابل للتغيّر في ايّ لحظة قبل القمة فنائب وزير مالية أو ما يعادله لا يعادل مشهداً معقداً ممّا يتحمّله لبنان جراء تخاذل دول عربية كبرى عن استقبال النازحين السوريين أو سحب هبات كانت مخصصة للجيش اللبناني. ويبدو أنّ هذا الأمر مستمرّ والوقت صار مناسباً للتعرّف على المشهد الجديد من منظار آخر.
لا يشكل التمثيل المخفَّض للمشاركين بالقمة العربية إلا رسالة مباشرة للرئيس ميشال عون والعهد. وهذا الرئيس الذي لم يقصّر «شكلاً» أو «مضموناً» في الدعوات يدرك اليوم بشكل قاطع نوعية الهجمة المنظمة عليه كما أنّ فريق عمله الذي تحضّر والمعنيين جيداً للقمة العربية حصلوا على ثناء أمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط الذي وصف التحضير اللبناني للقمة بالبالغ المهارة «لم يقصّر لبنان في شيء لا في التنظيم ولا في الدعوات التي تولاها وزير الخارجية جبران باسيل متوجهاً من دولة عربية الى أخرى لتسليم الدعوات للقادة العرب المعنيين، لكن ما يبدو أنّ تقصير لبنان واقع بمكان آخر عربياً.
التقصير الذي يراه العرب المعنيون بالقمة يتعلق مباشرة برئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وخياراته السياسية في وقت برز أمامهم في أكثر من محفل ومناسبة على انه أكثر المدافعين عن سورية والمقاومة في المحافل العربية والدولية وأكثر المهتمّين بالوحدة اللبنانية اللبنانية بما يعني ذلك من «حماية» ودعم للرئيس سعد الحريري، لكنه في الوقت عينه لم يخرج عن خيارات القمة العربية في العلاقة المباشرة مع سورية ولم يخدش المشاعر الخليجية بزيارة إلى إيران أجّلت أكثر من مرة حتى في وقت سابق لحظة كان السفير الإيراني السابق محمد فتح علي مشرفاً على أجوائها.
لم يخدش عون الإجماع العربي في شيء وفي ما يتعلق بلبنان، فمهاجمة فصيل كبير كحزب الله، حسب رغبة المجتمع الدولي أو مقاطعته هو استحالة بالنسبة لأيّ جهة لبنانية أو رئيس، لأنه جزء وازن من النسيج اللبناني ويمثل مواقفه فكيف بالحال إذا كان هذا الرئيس «حليفاً» لحزب الله؟ هذا هو بيت القصيد وتبدو مشكلة المجتمع العربي والدولي مع ميشال عون هي أنّه تحالف مع حزب الله الذي يتحضّر الشارع اللبناني، حسب مصادر رفيعة لـ»البناء» إلى هجمة سياسية ومالية شرسة عليه كانت هي فحوى زيارة وكيل الخارجية الأميركية السفير السابق الى لبنان دايفيد هيل منذ أيام والعقوبات المالية لا تقتصر هذه المرّة على الحزب بل على الطائفة الشيعية بأكملها وما كانت حركة أمل قادرة على التنصّل منه وإيجاد مخارج لدى المجتمع الدولي لحمايته وصار اليوم أصعب. وهي معنية به مباشرة والأيام المقبلة ستشهد المزيد من التعقيد الحكومي، حسب هذه المصادر وخلاصتها «إعادة رسم سياسة محلية جديدة لا يكون فيها لنفوذ حزب الله السياسية الغلبة».
السؤال الكبير في مكان آخر اليوم يتعدّى القمة العربية وهو سعد الحريري الذي تحضّر للقمة العربية كرئيس حكومة تصريف أعمال، لكنه رئيس حكومة مقبل أيضاً أو مكلف بشرعية نيابية كبرى فهل التخلي عن دعم القمة «الاقتصادية» تحديداً والتمثيل الخافت سعودياً هو تخلٍّ عن سعد الحريري؟
الأكيد أنّ فشل القمة هو رسالة للرئيس سعد الحريري بدوره. وهو الذي شدّد خلال الأيام التحضيرية للقمة على الهواء مباشرة مخاطباً وزير الاقتصاد وممازحاً إياه «اننا نتمسك بالتعاون مع العونيين وهذا التحالف يزعج كثيرين». وكان شديد الحماس للتحضير لقمة جدية حتى أنه تجاهل كلّ الضغوط باتجاه سورية ودعوتها وحرص على الموقف العربي العام حيالها فلم يتغيّر موقفه، بالرغم من تقدّم دول عربية وخليجية باتجاه دمشق.
التمثيل الخافت يؤكد ان لا ثقة بالوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، لكنه يؤكد أيضاً ان لا ثقة عربية بـ»التسوية الرئاسية» التي لم تعد تحظى بإجماع العرب وهم الذين قبلوها على مضض بعد ان فرض حزب الله حليفه ميشال عون رئيساً للجمهورية. والرسالة هي ان لا يعتبر ايّ حليف لحزب الله أنّ التحالف معه هو طريق الوصول للرئاسة بل «العزل» وأن لا يعتبر انّ الحكم في لبنان سهل مع حليف كهذا.. الرسالة كبيرة وعون يدفع ثمن مواقفه الجامعة والتسوية الرئاسية على المحك إذا لم تتحصّن محلياً بتنازلات تدفع باتجاه حكومة سريعاً.