ما هو سبب القمة الهزيلة والباهتة؟
ناصر قنديل
– يتقاذف الجميع كرة الاتهامات بالتسبّب بجعل القمة الاقتصادية باهتة وهزيلة، ويغلب على التحليل والتفسير التهرّب من المسؤولية أو من الاعتراف بالحقيقة. فالقضية ليست بغياب ليبيا ولا القضية بقلق الحكام العرب على أمنهم، ولا القضية بصورة لبنان التي «قرف منها بعض المدعوّين»، كما قالت بعض مقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية أمس، وليس عند العرب أنظمة حكم يحق لها التباهي بالديمقراطية والحرية، كي تقرف، ولا القرار العربي «عربياً» كي يتخذه العرب، ونحن مشكلتنا في لبنان أننا نصدق بسهولة أنّ بلدنا مجرد وجهة سياحية، أو أنه فعل لعبة سياسية، وننسى أنه بلد المقاومة التي تتسبّب بالقلق لـ«إسرائيل» التي تشكل بوصلة السياسات الأميركية، التي تحكم قرار العرب، وكلّ حدث يخصّ لبنان سيُقاس بهذا المقياس، إلا عندما يخرج لبنان قوياً فيفرض معادلاته، ولبنان القوي ليس الذي يستقوي بعضه على بعض، وأول شروط القوة حكومة وحدة وطنية، وثاني شروط القوة، علاقة لبنانية سورية متميّزة، كما قال اتفاق الطائف، الذي أكلناه وابتلعناه، وبقي منه ما يمسك به كلّ طرف ليرضي حساباته، المناصفة في جهة، وصلاحيات رئيس الحكومة في جهة مقابلة، والباقي إلى النسيان، لا مكان لتعهد بالسير نحو إلغاء الطائفية يظلل حكومة وحدة وطنية حقيقية، ولا مكان لعلاقة مميّزة مع سورية تشكل ركيزة هوية لبنان العربية، ومَن يعتقد بأسباب أخرى للقوة فليغير الطائف أو يرينا قمة ناجحة بدون هذه المصادر للقوة، التي وحدها تسببت بنجاح قمة سابقة وفي لبنان.
– زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو للمنطقة تناولت قمة بيروت في محادثاتها كما تناولت عودة العلاقات مع سورية، ولم تخف واشنطن «النصح» بعدم مكافأة لبنان بقمة ناجحة قبل رؤية سياسة لبنانية رسمية معادية للمقاومة ومطمئنة لـ«إسرائيل»، كما لم تخف «النصح» بفرملة الهرولة نحو دمشق لمنع ظهورها كمنتصر، و«النصح» بالانتباه لئلا يكون لبنان والعراق شريكين لسورية في محور ممتد في الجغرافيا من البحر المتوسط حتى إيران. وجاء معاون نائب وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت يتلو الشروط العربية التي قال أصحابها لصاحب النصائح الأميركية، نصائحكم أوامر، والشروط في كلام هيل، حكومة لا يكون لحزب الله فيها دور فاعل، وحدود لا يكون فيها قلق لـ«إسرائيل»، وترسيم للحدود البرية يريح «إسرائيل» ويعفيها من الترسيم البحري لتتصرف بالثروات اللبنانية في النفط والغاز على هواها. وقد شكل من سمعوا النصائح لها منتدى إقليمي لشرعنة السطو على الغاز اللبناني، والقمة الناجحة بحضور المستمعين للنصائح الأميركية، مكافأة على حسن الالتزام اللبناني، وقد قال هيل حكومتكم هي لكن نوعها يعنينا، وإن عجزتم فحكومة تصريف الأعمال أفضل.
– في موقع لبنان الحساس ليس من مكان وسط لإرضاء أميركا وإغضابها، فأمن «إسرائيل» المذعورة يتقرّر في لبنان. هكذا يقول تقرير المستقبل الاستراتيجي الذي رسمته أجهزة الأمن الإسرائيلية للعام 2019، وإن كان قرار لبنان حفظ حدوده البرية من انتهاكات الجدران الإسمنتية، وحدوده المائية من نهب الثروات النفطية، وأجوائه من انتهاكات الغارات العدوانية، فعليه توقع الغضب الأميركي ومعه من يتبعون نصائح واشنطن، وأن يدرك أن فرض جدول أعماله عليهم وإجبارهم على الاعتراف لا يتحقق بدون لبنان قوي، قوي بحكومة وحدة وطنية، قوي بعلاقة مميزة مع سورية، قوي بالتزام شامل بمقررات اتفاق الطائف وفي مقدمتها السير السريع نحو المغفل من بنوده، وفي مقدمتها إلغاء الطائفية، وقد جرّب لبنان تفادي الغضب الأميركي ومقاطعة الأتباع عن طريق المجاملة ونظريات النأي بالنفس، ومنح عرب أميركا الأولوية على حساب سورية، وها هي النتيجة، فلم لا يجرّب الطريق الآخر؟
– عبرة القمة ليست بتقاذف المسؤوليات بل بالعودة للثوابت والمسلمات.