وجهة نظر
حسين مرتضى
على خط الحدود الشمالي في سورية، أكملت تركيا هروبها الى الأمام، عمليات تفجير وقرارات مفقودة التطبيق، ومشروع منطقة آمنة يتناقض فيها المشهد التركي، بالرغم من محاولة الإيحاء بأنّ ما تمّ الاتفاق عليه بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية يشمل ما روّج له إعلامياً بأنه منطقة آمنة على الحدود السورية الشمالية، لكن الاتفاق يشوبه الكثير من مطبات تكرسها الوقائع الميدانية.
أدوات النزال السياسي في شمال سورية والتي تمارسها تركيا والولايات المتحدة الأميركية، لا تتوقف عند الحلم التركي القديم الخالي من أيّ واقعية، بإقامة منطقة آمنة، والذي بدأ منذ عام 2013 ومن وقتها عجزت أنقرة عن انتزاع موافقة واشنطن عليها، إلا أنّ الأيام الأخيرة كانت حافلة بقرارات أميركية متأرجحة بين انسحاب واتفاق لخلق هذه المنطقة مع التركي، تحت ذريعة خلق حزام يبعد الخطر الكردي عن حدودها، بعمق 20 ميلاً وطول 460 كيلومتراً، تشمل محافظات حلب والرقة والحسكة، وضمن التفاصيل فإنّ تلك المنطقة تطالب تركيا ان ترعاها الامم المتحدة أو حلف شمال الاطلسي، الحلم الذي طالما بنى عليه التركي الكثير من الأوهام. وكلّ مرة كان يتوقف، تارة بسبب استحالة تنفيذه، أو بسبب الاختلاف الكبير بين أهداف وغايات أصحاب الفكرة، لكون هذه المنطقة لن تستغلّ من قبلهم بالشكل المطلوب بسبب تعقيدات الأمر سياسياً، وفي كلّ الحالات كان التركي وما زال يعيش في حالة انفصام عن الواقع الميداني والسياسي، إلا أنّ الأمر جاء هذه المرة بعد الجهود الروسية الإيرانية لتبريد منطقة شرق الفرات، وإخراجها من دائرة الاشتعال، لتأتي المحاولة من الأميركي لإعادة خلط الاوراق، وإبعاد التركي عن التأثير السياسي الايراني الروسي، وجعله يدور في فلك أهدافه، والتي تتلخص في إبقاء منطقة شرق المتوسط، ضمن دائرة الحرب والنزاعات، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لتأمين حلفائها في المنطقة من جماعة «قسد» وسواهم، ليظهر التفاهم التركي الأميركي كمن يتسابق للمبارزة السياسية، والتي انتهت باتصال هاتفي بين ترامب وأردوغان وأنهى هذا السجال، وليتشاركا التهاني في صفقة سياسية تبيع الوهم والأحلام الكاذبة، على أساس هروب تركيا والولايات المتحدة الأميركية من مواجهة الحقيقة، إنّ الدوامة السياسية والميدانية التي وضعوا أنفسهم فيها من الصعب الخروج منها عبر فكرة المنطقة الآمنة، التي تفتقد لأدنى مقوّمات النجاح، وخارج إطار أيّ شرعية او قانون دولي أو إنساني، ولا تملك القدرة على التحقّق ضمن معطيات ميدانية وسياسية في المنطقة، لأسباب عدة وأهمّها ما يقوله الميدان، إنّ من فشل طوال سنين الحرب بالرغم من وجوده كقوة احتلال في مناطق مختلفة عبر وحداته العسكرية أو المجموعات الإرهابية التي يدعمها، عن تنفيذ هذه الفكرة لن ينجح الآن، بعد أن وصلت الدولة السورية إلى مستوى حصاد نتائج انتصاراتها العسكرية على المستوى السياسي، وإنّ حلفاء سورية لن يسمحوا أن تنزلق الأمور الى حدّ الانفجار، لكون هذه المنطقة تحديداً نظراً لطبيعتها الجغرافية والديمغرافية وما تملكه من أهمية، لا تحتمل ايّ مراهقة سياسية في قرارات عبثية من الأميركي او التركي.
تقاطع المصالح التركي الأميركي في شمال سورية، وتوافق الأجندات، استغله التركي لأقصى حدّ، عبر التعويل على مدى الحاجة الأميركية لهذا التوافق، وانّ تركيا عون للولايات المتحدة الأميركية في ترتيب أوراقها من جديد في المنطقة، بالذات تحشيد حلفاء ضدّ إيران، جاء ذلك كله مرتبطاً مع محاولة أنقرة الهروب الى الأمام، عبر خيوط اتفاقات يتمّ ربطها بعد تقعيد المشهد الميداني، ودخول جبهة النصرة الى أغلب المناطق في ريف حلب وإدلب وحماة، ومحرقة الاقتتال الدائر الذي أعاد جبهة النصرة الى الواجهة، والمدعومة تركياً في ذلك، ما يعني اقتراب عملية تطهير إدلب، بحسب اتفاق سوتشي من قبل الجيش السوري والحلفاء. فكان هذا الهروب، لتوسيع رقعة الاشتباك السياسي، وتسخين المشهد الميداني بما يخدم مصالح تركيا والولايات المتحدة، ومن ضمنها حماية المجموعات الانفصالية في شمال سورية من قبل الأميركي، والحفاظ على جبهة النصرة والمجموعات المرتبطة فيها من قبل التركي، ضمن تفاهم عقيم لن يجد له مكاناً ليتجسّد على الأراضي السورية.
بالمحصلة التركي يحاول من كلّ ذلك بالتناغم مع الأميركي ربط أوراقه أكثر أمام الاستحقاقات المقبلة، إنْ كان بتحرير إدلب من الوجود الإرهابي، أو عودة الدولة السورية إلى مناطق شمال وشمال شرق سورية، بعد التجربة القاسية من الهزائم التي لحقت بهذا المشروع الأميركي والخليجي والتركي، ليأتي صدى وقع الحراك السياسي السوري المضبوط بإيقاع المسؤولية الوطنية والدستورية. فالمنطقة الآمنة احتلال، والأميركي يحاول بعد قرار انسحابه خلق قوة احتلال جديدة تابعة له في الشمال السوري ضمن الهيمنة الأميركية وفي سياق الأحلام التي لن تتحقق مهما كان الثمن.