لماذا «شيطنة» الحشد الشعبي الآن؟
نظام مارديني
يكثر الصخب حول دور الحشد الشعبي ومدى قدرته وكفاءته في مواجهة التحرّكات المريبة للقوات الأميركية على الحدود العراقية السورية وأيضاً في استعداده الدائم لمواجهة أي تهديد صهيوني في العدوان على بلاد ما بين النهرين، أو قصف مواقع للحشد الشعبي الذي أثبت قدرته كقوة عراقية يُحسب لها حساب.
وقد جاء هذا التهديد عبر رسالة حملها وزير خارجية الولايات المتحدة، مايك بومبيو، إلى بغداد، وتهدف التهديدات هذه أولاً، إلى إضعاف قوة الحشد، بعدما أثبت قدرته كقوة عراقية يُحسب لها حساب. وثانياً فتح منافذ جديدة لتحركات تنظيم داعش الإرهابي إلى الداخل العراقي بعدما سحق في سورية، ويتم نقله بمروحيات أميركية إلى مناطق على خط الحدود بين العراق وسورية. والغريب أن هذه الرسائل التحذيرية والتهديدة تأتي بالتزامن مع بدء شخصيات برلمانية جهوداً لإقرار مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية كافة من العراق، بما في ذلك «إقليم كردستان»، وتقديم دعم للجيش العراقي، والحشد الشعبي، الذي يمتلك تمثيلاً برلمانياً هو الأكبر داخل البرلمان العراقي.
وكما بدا واضحاً، فان الغبار الخانق، المسموم، التخريبي الذي حمله مشروع «داعش» الإجرامي الى «سوراقيا» يكاد ينتهي في كلتا الدولتين، العراق وسورية، الى خلق نقيضه: خصومة مجتمعية مع الإرهاب.
وبمقارنة بسيطة بين ما يواجه الحشد الشعبي الآن من ضغوط بقصد «شيطنته»، وما واجهه سابقاً أكراد سورية و«وحدات حماية الشعب» قبل ارتهانها للاحتلال الأميركي من اتهامات غير عقلانية كانت تنحو نحو العنصرية، برغم الكم الكبير من التضحيات والشهداء لتحرير أراضي سورية من «داعش» و«النصرة». إن هذه المقاربة إنما تأتي في سياق العدوان على العراق وسورية، وفي نظرة بسيطة للأمور نرى أن رعاة كل من السعودية وتركيا هم من وجّه الاتهام لكلٍّ من الحشد الشعبي ووحدات حماية الشعب.
إن حدّة الاستقطاب الطائفي والعرقي العنصري في «سوراقيا» كان يُراد منه استمرار الاقتتال لقيام «جدار» سني يمتد من الأنبار إلى تدمر ويراد منه منع إيران من التواصل مع العراق وسورية ولبنان، ولكن فشل المشاريع وانتصار المحور المقابل وجّه صفعة قوية للمشروع الأميركي من جهة، وآل سعود من جهة ثانية، رغم أن كلاً من واشنطن والرياض لا تزالان تراهنان على استمرار العصابات التكفيرية من نصرة وداعش للسيطرة على مناطق جديدة للتعويض عن خسارتها الكبيرة الواسعة في العراق وسورية.
نقول لأبطال الحشد الشعبي، كما قلنا سابقاً لوحدات الحماية الشعبية، إن دوركم كبير ولن يستطيع أحد أن يسحب البساط من تحت أقدامكم. ونتمنى أن تتفرّغوا لتنظيف الحدود ومنع القوات الأميركية من الاقتراب والتجسس على القوات العراقية المشتركة.
.. وإن وهج بطولاتكم سيغيّر وجه التاريخ في شرقنا وشمالنا!
كلما اقتربت ساعة النصر النهائية تكتسب المواجهة مع قوى الاحتلال أهمية كبيرة بالنسبة لمختلف الأطراف، العراقية والإقليمية والدولية المهتمّة بالأمر، ولكل من هذه القوى روزنامته.. فإذا كان الحشد الشعبي بالتعاون مع الجيش العراقي يعمل لإنجاز هذه المهمة بهدف إعادة سيطرة الدولة على ما تبقى من الشريط الحدودي التي يقف على طرفيها التنظيم الإرهابي والقضاء على آخر معاقله وإسقاطه عملياً، فإنه يمكن رؤية التناغم القائم بين الأطراف الدولية والإقليمية المعادية للحشد.
في هذا «الكباش» الدولي والإقليمي، جاء رفض رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي لرسالة التهديد الأميركية وهو رفض من يقاوم الاستسلام الى الانهيار وتحويل العراقيين الى شحاذين على ابواب الأمم وذلك بغريزة الأمل التي تسمح أحياناً بالمراهنة على خيوط ضوء في هذه الدوامة.
في أمسية على ضفاف دجلة، قال الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي «حين يروي لك العراقي نكتة لا تدري أتجهش في الضحك أم تجهش في البكاء».. قد يكون السبب «ميثولوجيا الأنهار».. ففي العراق حين يفيض دجلة، يخرّب محاصيل.. ينتحب الفلاحون وينتحب معهم الملوك، منذ المرثيات السومرية الكبرى وحتى اليوم..