ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
النبطية… والرفيق محمد أمين الصباح
المعروف ان الحزب شهد منذ اوائل الاربعينات حضوراً حزبياً جيداً في النبطية، بدأه الرفيق رفيق شاهين الذي انتمى عام 1944 وعمل صيفاً على انتماء 17 رفيقاً، منهم سليم صباغ، محي الدين طه، محمد أمين الصباح، محمد علي حجازي، يوسف مروة، محمد جواد الصباح، محمود بيطار، حتى اذا اقبل اول اذار عام 1945 ظهر الحضور الحزبي في النبطية إلى العلن من خلال الاحتفال بذكرى ولادة الزعيم، واشعال التلال المحيطة بالمدينة.
برز في النبطية رفقاء من مختلف عائلاتها، وكان لهم حضورهم في مسيرة الحزب، نذكر منهم، إلى الرفقاء المذكورين آنفاً، الرفقاء الراحلين الامناء مصباح ضاهر، محمد جابر، رامز الصباغ، والرفقاء: فهمي شاهين، قاسم ضاهر، وحسن قنديل.
عن تاريخ الحزب في مدينة النبطية، وقد شهد حضوراً جيداً ومستمراً، يصح ان يكتب، وهذا ما سنعمل عليه، ورفقاء في النبطية، يملكون ما يفيدون به في هذا المجال.
ما نعممه ادناه، نقلاً عن كتاب الأمين نواف حردان «على دروب النهضة»، اضاءة جيدة عن فعالية الحزب في النبطية في اربعينات القرن الماضي، وعن الرفيق البطل محمد أمين الصباح، وهو جزء من تاريخ غني يجب الا يضيع.
كنت عرفت الرفيق محمد عندما كان منتظماً ومسؤولاً محلياً في مديرية ابيدجان، اوائل سبعينات القرن الماضي، وكنت رئيساً لمكتب عبر الحدود وقدّرت كثيراً وعيه العقائدي وسوية التزامه، إلى ما كان يحدث عنه الأمين نواف حردان.
في يوميته تاريخ 20 تشرين الثاني 1946 يروي الأمين حردان ما يلي:
اثناء مروري بالنبطية ذات يوم وانا عائد من بيروت تعرفت إلى الرفيق محمد أمين الصباح، مدير مديرية النبطية المستقلة، الذي دعاني للبقاء عنده وحضور اجتماع للمديرية فلبيت الدعوة.
وتمكنت عرى الصداقة والعلاقات الحميمة بعد ذلك بيني وبين ذلك الرفيق، لأنه كان رفيقاً مخلصاً وشجاعاً، صار يزورني في بلدتي راشيا الفخار فأحبه الرفقاء فيها كما احبهم، وقد شارك مرة في معركة جرت بيننا وبين الشيوعيين 1 ، تبودل فيها تراشق الحجارة وضرب العصي، وانتهت بهزيمتهم وتحطيم سطح بيت احدهم الذي كان من القرميد، فلم يبق منه قرميدة سالمة.
وقع خلاف ذات يوم بينه وبين زوجته، أراد بعده ان يطلّقها، الامر الذي لم يرض عنه والده الحاج الفاضل التقي، فذهب يشكوه إلى المركز حيث لقيته وأيّدته في شكواه امام عميد الداخلية الأمين عبد المسيح، فكتب له رسالة رادعة ناصحة موجهة تضمنت هذه العبارات:
« ان المرأة دين الامة في عنقك يا أمين، فحافظ عليها واحترمها وكن وفياً لها باراً بها.. فهي شريكة حياتك وام اولادك».
وعدتُ إلى النبطية فسلّمته الرسالة، فأخذ يقرأها.. ثم اعاد قراءتها مرتين.. ثم أطرق برأسه يفكر.. ثم رفعه وقال لي:
ـ لتحي سورية.. ان أوامر المركز مقدسة.. فتعال معي.
ـ إلى اين؟ سألته.
ـ إلى بيتنا.. حيث سأطلب المعذرة من زوجتي.. وأقبل يدها.. فأرجو ان ترافقني.
ورافقته إلى بيته، حيث كانت زوجته حزينة كئيبة، فجثا أمامها وراح يقول لها وهو يقبل يدها:
ـ سامحيني.. سامحيني… أنت دين الامة في عنقي.. لا أستطيع ان ارد ما يقول المركز الموقر لي..
وكان له أربعة بنين، صبيان وبنتان، ما بين الرابعة والثامنة من اعمارهم، هذه اسماؤهم: تحيى، سورية، يحيى، وسعاده 2 .
فكان يدعوهم كلما ذهبتُ لزيارته، فيقفون امامنا صفاً واحداً، ويؤدون التحية الحزبية ثم يهتف كل منهم اسمه هكذا: تحيى سورية … يحيى سعاده.
فيبتسم محمد أمين ابتسامات عريضة فخورة، مباهياً سعيداً ثم يصرفهم، ويجلس يقص علي اخباره مع الشيوعيين، الذين كانوا يعتدون على اعضاء مديريته الطلاب فيضطر للعراك معهم، وكانت اخباره طريفة مشوقة.
بعد ايام قليلة.. تسلّمت رسالة من المركز تقول، ان الزعيم بدأ يعد العدة في الارجنتين، لكي يعود إلى الوطن، وعلى جميع القوميين ان يستعدوا لاستقباله استقبالاً كبيراً في بيروت يوم وصوله.
عممت الخبر الكبير السار على القوميين، فسرت بينهم موجة الفرح والحماسة والتفاؤل، وبدأوا يستعدون لاستقبال الزعيم، ثم قمت بجولة على المديريات يرافقني ناموس المنفذية الرفيق اسعد الرحال 3 ، داعياً الرفقاء للاستعداد، قائلاً لهم بانه لايجوز ان يتخلف منهم احد عن الاستقبال.
ورحنا نضع ايدينا على قلوبنا، ونحن نقترب بلهفة وشوق من موعد عودة زعيمنا العظيم، الذي علمنا طريق الحياة وأيقظ القوى الكامنة في نفوسنا.
ورحنا نتساءل: ترى كيف يكون الان؟ هل أثـّـرت عليه الغربة؟ هل زادت السنوات في اختباراته؟ هل ما زال خطيباً كبيراً كما كنا نسمع عنه؟ كيف يتصرف؟ كيف يفكر؟ وبماذا سيخاطب جموع القوميين يوم وصوله؟
هذه الاسئلة وسواها، رحنا نطرحها على انفسنا وعلى بعضنا، نحن الذين لم نعرف الزعيم من قبل، ولم نلتق به مرة واحدة.
وراحت الايام تمرّ علينا آخر العام، ثقيلة بطيئة يزيدها الانتظار الطويل المضني المعذب، ثقلاً وطولاً وقلقاً ولهفة.
الى ان انقضى العام.. ولا جديد.. سوى ازدياد عذاب الانتظار، وخفقات قلوبنا الراجية الآملة، المخزونة بالشوق لزعيمنا المفدى وقائدنا الحبيب.
وفي يوميته تاريخ 20 شباط 1947 يروي الأمين نواف:
عدت من المركز بخبر كبير وبشرى سارة حافلة بالأمل.
سيصل الزعيم إلى بيروت في الثاني من شهر اذار القادم.
ومضيتُ اذيع البشرى بين القوميين، وأعدهم للحدث الخطير الذي طالما تاقت اليه نفوسهم.
وقمت بجولة على مديريات منفذية مرجعيون التي كنت منفذاً عاماً لها، أسجل خلالها اسماء الرفقاء الذين سيذهبون إلى بيروت لاستقبال الزعيم، والذين بلغ عددهم أربعمئة قومي.
طلبت من المسؤولين في المديريات ان يكونوا على رأس أعضاء مديرياتهم،الساعة السابعة من صباح 2 اذار 4 ، في ساحة مرجعيون، لكي نسير جميعاً في موكب واحد كبير إلى بيروت.
واحتشد القوميون في ساحة مرجعيون الساعة المعينة، بكل نظامية، إلى ان اوعزت اليهم بالصعود إلى سياراتهم الكبيرة التي بلغ عددها ثمان، اضافة إلى عدد آخر من سيارات الركاب الصغيرة.
وسارت السيارات في قافلة كبيرة مغادرة مرجعيون إلى النبطية، حيث كنت اتوقع ان ارى اعضاء مديريتها ينتظروننا، وعلى رأسهم الرفيق محمد أمين الصباح.
وكانت كل سيارة كبيرة بوسطة تقل ما بين الثلاثين والاربعين رفيقاً او ما يزيد، ينشدون الاناشيد المختلفة التي كان بينها الحداآت التالية:
عينيك يا سعاده تجي
وتشوف جيش الزوبعة
شراقيط نار ملوهجي
عا كل عتمة موزعة
وكان هذا الحداء للأمين عجاج المهتار.
وهذا الحداء الاخر للرفيق سليمان سليقة:
يا زوبعة الله معك
عالموت نحنا منتبعك
بكرا متى راد الزعيم
فوق السرايا منرفعك
والحداء التالي للرفيق سليمان سليقة أيضاً:
يا زوبعة رفّـي بامان
رفي على طول الزمان
بكره متى راد الزعيم
بتلوحي فوق البرلمان
وهكذا.. في أجواء عابقة بالحماس، مغمورة بالايمان والفرح والتفاؤل، تابعنا سيرنا إلى ان بلغنا ساحة النبطية، حيث وجدنا الرفقاء ينتظروننا قلقين متوترين، وعندما سألتهم عن سبب قلقهم، اخبرني الرفيق مصباح ضاهر الأمين لاحقاً انه منذ ساعة حدثت مشادة بين الرفيق محمد أمين الصباح وبعض الشيوعيين، على مرأى ومسمع من الدرك الذين سارعوا للتدخل، وألقوا القبض على رفيقنا وساقوه إلى السجن.
استأت جداً من الخبر ورحت أسائل نفسي:
ـ كيف يجوز لنا ان نتابع سيرنا، تاركين رفيقنا الصباح في السجن، دون ان يرتكب جرماً يستحق السجن من أجله، وهو من اكثر الرفقاء شوقاً ولهفة وحماساً لاستقبال الزعيم؟
استولى علي غضب شديد من جراء ذلك، وقررت ان اتوجه إلى مخفر الدرك، على رأس عشرة رفقاء، من الاشداء، وأطلب من قائد المخفر اطلاق الرفيق الصباح لكي يرافقنا إلى بيروت لاستقبال الزعيم.. على ان يعود إلى السجن بعد عودته، فيما اذا كان سجنه يستحق ذلك.. فان قبل طلبي كان خيراً.. والا فسنستعمل القوة ونطلق سراح رفيقنا مهما كلف الامر.. ونتابع سيرنا معه.. وليكن بعد ذلك ما يكون..
سرت إلى المخفر بتصميم وعزم، في جو متوتر، امام الرفقاء العشرة الذين كانوا: نصار مداح وفارس قانصو من ميمس، حسن غانم ونمر ونسه من دبين، سالم صليبا وجميل متري ونعمة الله حردان من راشيا الفخار، مهنا لمع وحسن رعد ومعروف قيس من حاصبيا.. بعد ان طلبت من جميع الاخرين أن يبقوا في صفوفهم امام سياراتهم، ينتظرون اي اشارة أو ايعاز ..
كانوا قد علموا سبب توقفنا.. وان رفيقنا الصباح مدير مديرية النبطية ادخل إلى السجن، ظلماً وعدواناً، فغمرت الجميع موجة استياء وغضب كبيرين.
وقبل ان ابتعد قليلاً.. سمعت الرفيق نعمة الله حردان مدرب مديرية راشيا الفخار، يخاطب الرفقاء بصوته الجهوري الغاضب الهادر قائلاً:
ـ لقد تحملنا من هذه الحكومة وزبانيتها الشيء الكثير.. حتى طفح الكيل.. واليوم ونحن ذاهبون لاستقبال زعيمنا.. لن نقبل تحدياً لنا.. أو اعتداء علينا.. من اي كان في هذا الوجود.
فقوبل كلامه بهمهمات مؤيدة.. وصيحات محتجة مهددة.. فيما بقي الجميع في صفوفهم منتظمين.. والاعصاب متوترة والجباه مرتفعة مقطبة والعيون برّاقة.
سمعت ما قاله الرفيق حردان وردود فعل الرفقاء عليه، فزادني ذلك تصميماً وإقداماً.. وتابعت السير نحو المخفر حيث طلبت مقابلة الضابط.. الذي كان قد علم بوجودنا على ما ظهر.. وأدرك قصدنا.. فقابلني بلطف وتهذيب.. بينما بقي الرفقاء العشرة في الخارج ينتظرون عودتي أو اشارة مني.
ورحت أخاطب الضابط بعد ان حييته.. قائلاً له بلهجة مهذبة وحازمة بنفس الوقت:
ـ نحن ذاهبون كما تعلم ولا شك لاستقبال زعيمنا الذي سيصل اليوم إلى بيروت بعد غياب طويل، وحضرتك تعلم، المكانة الكبيرة التي يحتلها زعيمنا في قلوبنا وكم نحن بشوق للقائه.. لذلك نعتقد بأنه لا يجوز أن يمنع احد منا، او يحال بينه وبين استقباله.. ولهذا اتيت اسألك بحرارة.. ان تطلق سراح رفيقنا محمد أمين الصباح، الذي ألقي القبض عليه لأسباب واهية.. لكي يتمكن من مرافقتنا إلى بيروت، علماً بأننا لن نغادر النبطية.. ولن يغادر احد من رفقائنا الذين هم الان امام المخفر امكنتهم.. قبل ان يطلق سراح رفيقنا، كما اني لا أكفل حدوث اشياء غير مستحبة، أو ردود فعل عنيفة يمكن ان يقوم بها أكثر من اربعمئة قومي، في حال بقاء محمد أمين الصباح في السجن.
حاولت ان اكون اثناء كلامي متزناً.. إلا ان كلماتي الاخيرة.. جاءت حازمة مهددة وقد تلفظت بها بعصبية ظاهرة وغضب بارد.
وكان الضابط يصغي اليّ بانتباه.. وراح يبتسم عندما سمع كلماتي الاخيرة ثم أجابني:
ـ ألهذه الدرجة تحبون زعيمكم؟
ـ اننا نحبه ونقدره.. لدرجة اننا على استعداد دائم لبذل دمائنا أمامه.. ومن اجل قضيته التي هي قضية شعبنا المقدسة.
وتضاعف ابتسام الضابط.. وعاد يسألني:
ـ ومحمد أمين الصباح.. ايستحق منكم كل هذا الاهتمام؟
ـ انه رفيق مخلص وشجاع.. فضلاً عن ان جميع رفقائنا يستحقون اهتمامنا بالتساوي..
ـ ولكن الصباح قبضاي ومشاغب كبير.. يتحدى الشيوعيين في كل حين ويسبب لنا وجع رأس دائماً.
ـ انا اعرفه جيداً.. وأعلم بأنه يلجأ إلى ذلك.. دفاعاً عن كرامة رفقائه القوميين في النبطية.. الذين لا يزالون في مقتبل العمر، ويتعرضون لتحرشات الشيوعيين واعتداءاتهم دائماً.. اما اذا كان الصباح قد ارتكب جرماً هذه المرة، او خطأ يستحق السجن، فإني أتعهد لك.. بأن اسلمه حال عودتنا من بيروت.
ـ حسناً .. حسناً.. سأطلق سراح الصباح.. إكراماً لك.. لأني أقدركم واحترم زعيمكم.
ونهض فنادى احد رجال الدرك وامره ان يأتي بالسجين.. فغاب الدركي ليأتي به بعد بضع دقائق.. فقال الضابط:
ـ اذهب يا صبّاح.. فأنت حر طليق.. اذهب لاستقبال زعيمك.. وبعد عودتك.. اخبرنا عنه وبما سيكون منه.. وكيف كان الاستقبال.
علمت من لهجة الضابط انه من الشوف.. وادركت من كلامه انه قومي او صديق للقوميين.. فودعته شاكراً وشددت على يده.. ثم غادرت السراي مع الرفيق الصباح.. فاستقبلنا الرفقاء الذين كانوا خارجاً بالهتافات.. وعانقوا رفيقهم الخارج من السجن بحرارة وشوق ومحبة.
وعندما بلغنا الساحة حيث كان قوميو مرجعيون والنبطية ينتظرون، صعدت إلى سطح مبنى إلى جانب مكتب الحزب وخاطبتهم فأخبرتهم بما كان.. ثم هتفت الهتاف الحزبي بصوت عالٍ داوٍ خرج من اعماق اعماقي:
ـ يا ابناء الحياة.. لمن الحياة؟
فردد القوميون الهتاف بأصوات هادرة راعدة قاصفة فخورة.. اهتزت لها النبطية كلها.. فيما كان يزداد تجمّع المواطنين حولنا.. يغمروننا بنظرات التقدير والاعجاب والدهشة.
تابعنا سيرنا بعد ذلك إلى بيروت.. دون ان يحدث ما يعكره.. وسط تعالي الهتافات والحداءات والاناشيد القومية المرتفعة تشق عنان السماء.
وعندما بلغنا مدخل بيروت الجنوبي، وجدنا رفقاء لنا ينتظروننا.. بإيعاز من المركز الموقر.. فساروا امامنا بسياراتهم.
وراح موكبنا يشق شوارع المدينة إلى ان التقى بمواكب اخرى عديدة، من الشوف والغرب والمتن وصور وصيدا ومناطق اخرى، اخذت تزحف نحو المطار في جو عابق بالحماس والعز، والنفوس يغمرها الايمان، والقلوب تخفق بالشوق العارم الذي ليس له حدود، للقاء الرجل العظيم الحبيب المفدّى، باعث نهضة الامة، الذي نذر نفسه لها وأقسم ان يقودها إلى النصر، وأقسمنا له يمين التأييد والولاء، واخترناه لكي يكون قائداً وهادياً وزعيمأ. وكنا كلما اقتربنا من المطار، كلما انضمت الينا مواكب اخرى قادمة من كل أنحاء الوطن الكبير، من الشام وحمص وحلب وحماه واللاذقية وحوران ودير الزور والقدس وحيفا ويافا وعكا، والاردن والعراق، وكل انحاء لبنان..
مواكب عديدة ومئات القوافل من السيارات الكبيرة والصغيرة، تقلّ ألوف القوميين الذين كانوا ينشدون ويهتفون، فتهتز بيروت كلها لهتافاتهم وأناشيدهم التي تمجد النهضة وتبعث الحماس وتناجي الزعيم العائد الكبير.
ويا زوبعة الله معك.
وفاته، ونبذة تعريفية عنه
جاء في عدد «صوت النهضة» تاريخ 15/11/1999 الخبر التالي تحت عنوان «في وداع الرفيق محمد أمين الصباح»:
« في منتصف شهر تشرين الاول غيّـب الموت الرفيق محمد أمين الصباح عن عمر يناهز الثمانين عاماً، وهو من الرعيل الاول.
ولد الرفيق محمد أمين الصباح في النبطية وانتمى إلى الحزب في الاربعينات وتحمل مسؤولية مدير مديرية النبطية في 1946 ومسؤوليات اخرى في الوطن والمغترب. نذر نفسه للعطاء، وكان مثالاً للرجل النهضوي العامل من اجل فلاح النهضة وانتصارها، وان يقوم بكل ما يطلب منه في سبيل الحزب، وقد عرض لمحطات من تاريخه النضالي الأمين نواف حردان في كتابه «على دروب النهضة».
السوريون القوميون الاجتماعيون والاصدقاء والمواطنون كانوا في وداع الرفيق الراحل في بلدته النبطية، وقد أقامت منفذية النبطية في الحزب احتفالاً تأبينياً له في حسينية النبطية بحضور حشد كبير من القوميين والمواطنين والاهالي، وتقدم الحضور رئيس الحزب الأمين علي قانصو والنواب ايوب حميد وعبد اللطيف الزين وياسين جابر والنواب السابقون عماد جابر ورفيق شاهين، وابو حسن قبيسي ممثلا حركة امل، ورئيس بلدية النبطية د. مصطفى بدر الدين، وامام بلدة النبطية الشيخ عبد الحسين صادق، والاستاذ رياض رعد، وفعاليات وشخصيات سياسية وحزبية وشعبية ومنفذ عام النبطية في الحزب الرفيق كامل خميس الأمين، منفذ عام النبطية لاحقاً والامناء وهيئة المنفذية.
بدأ الاحتفال بكلمة لناظر إذاعة النبطية الرفيق حسن حاوي الأمين لاحقاً، منفذ عام النبطية ، الذي تحدث عن مزايا الفقيد ونضاله، ثم أبـّـنه رفيقه حسن قنديل 5 بكلمة مما جاء فيها: انت باقٍ في ضمير الامة واجيالها يا ابا يوسف، باقٍ بالعطاء وبالقوة، مع مواكب الشهداء والخالدين مع من اطلق رسالته بالسؤال «من نحن» لاغياً كلمة الأنا التي ما زلنا نعاني منها والتي اشرأبت في نفوسِ ضعاف النفوس إلى يومنا هذا ؟ لا ادري ان كانوا سيحسبونها لك ولي صنمية وتحجراً ولكن، نم مطمئناً انك باق في ضمير الامة وذمة التاريخ الذي سيبقى كما كان ازلاً منصفاً وعادلاً.
ثم القى كلمة رابطة آل الصباح رئيسها الدكتور محمد علي الصباح فقال: «بفقدك خسرنا رجلاً عصامياً مجاهداً، رجلاً كرّس حياته للنضال من اجل تحقيق أهداف وطنه وأمته منطلقاً من عقيدته التي آمن بها وحملها بين جنبيه طيلة حياته في حلّه وترحاله، هذه الاهداف المتمثلة في التحرير من ربقة الاستعمار الغاشم، ساعياً إلى توحيد البلاد ونبذ كافة اشكال التفرقة والتجزئة والتخلف والاستغلال، وارساء اسس المجتمع المدني، المرتكز على الانتماء للوطن الواحد الموحد. هذا بالاضافة إلى مواجهته الخطر الصهيوني الذي هدد كيان امتنا في الصميم، وأقام دولة مسخاً فوق ارض المقدسات، ارض فلسطين الحبيبة.
ان هذا النضال المرير الذي خاضه فقيدنا الغالي الحاج محمد أمين الصباح كان ينبع من خلال التزامه بمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وبسيره على خطى مؤسسه الزعيم منذ يفاعته وحتى الرمق الاخير.
ثم القى كلمة مركز الحزب وكيل عميد الاذاعة والاعلام الأمين كمال نادر الذي تحدث عن الفقيد والتزامه القومي وعن النبطية الصامدة في وجه العدو وبطولات المقاومة، وقال: السلام لك ايها الجنوب الذي ارادوك ارضاً للحرمان، فأنتصبت مارداً مقاوماً رائعاً، وأضاف، ان مرحلة السلم «الاسرائيلي» مشحونة بالالغام، وانه لا سلام ممكن مع هذا العدو، ودعا إلى تمتين المحور القومي اللبناني الشامي وتوسيعه ليشمل الجبهة الشرقية كلها، كما دعا إلى فك الحصار عن العراق.
هوامش:
1 – كان الصراع محتدماً في تلك الحقبة مع الشيوعيين في معظم مناطق العمل الحزبي
رفيق آخر، الأمين انطون سعاده، اطلق على ابنه اسم يحيى. فاذا سئل عن اسمه في المدرسة، طالباً، او خارجها عندما انطلق إلى العمل، اجاب: يحيى انطون سعاده.
ويحيى كان مخرجاً سينمائياً عندما صعقه تيار كهربائي فيما كان يدير عملاً فنياً في تركيا.
2 – الدكتور اسعد رحال: استاذ جامعي. منح رتبة الامانة. انتخب عضواً في المجلس الاعلى. اعتقل وحكم عليه اثر الثورة الانقلابية.
3 – صادف يوم احد. وكنا تحدثنا الحشد الذي تجمع في مطار بيروت لاستقبال سعاده في 2 آذار 1947.
4 – سنعمل على نشر نبذة عنه في وقت غير بعيد.