دافوس وبيروت.. مخاطر التبعية من الاقتصاد إلى السياسة!

سماهر الخطيب

تزامن انعقاد القمة الاقتصادية العربية في بيروت مع انعقاد منتدى دافوس الاقتصادي وبالرغم من أنّ الأخير منتدى سنوي بمشاركة شركات تجارية وعابرة للحدود، إلا أنّ القمة الاقتصادية العربية لا تقل أهمية لكونها إقليمية تسعى لتنمية وإقرار سبل التنمية والتطوّر والتعاون بين دولها للنهوض بشعوبها علها تدرك ركب التطور العالمي..

وإذا ما أردنا الربط بين القمتين، فإنه من الصعب إيجاد روابط، فالأولى إقليمية عربية لم تنضج بعد وهي في عمرها الثاني عشر تأسست بدعوة من الكويت ومصر، حيث استشعرت ضرورة أن يكون للعرب قمة خاصة تعالج قضاياهم الاقتصادية، ما دفع الدولتين إلى طرح الفكرة لأول مرة في قمة الرياض 2007، وهي الفكرة التي لاقت ترحيباً واسعاً من جميع الدول العربية.

في حين الثانية فاقت عمر الشباب منذ تأسيس المنتدى عام 1971 على يد أستاذ الأعمال «كلاوس شواب» في كولوجني التابعة لجنيف في سويسرا.

أما أوجه الشبه بين القمتين هو ما تشهده الساحتان الإقليمية والعالمية من تزعزع للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إن كان من حيث المظاهرات الداخلية والانقسامات إلى أزمات حكومية لتتحوّل كلتا القمتين إلى سياسية تحمل في بياناتها دعوات سياسية دبلوماسية بعيدة عن نواتها الاقتصادية التنموية.

فما تشهده الولايات المتحدة من إغلاق حكومي وإيقاف لمعاشات أكثر من 400 ألف موظف، إلى احتجاجات السترات الصفراء المعيشية ضدّ سياسة ماكرون، مروراً بأزمة ماي الحكومية وتغيبهم عن قمة دافوس، وبالتالي عن مواضيعها ليس ببعيد عما يشهده العالم العربي من احتجاجات معيشية وأزمات حكومية بدءاً من البلد المضيف للقمة الاقتصادية العربية لبنان، مروراً بمصر وتونس والخليج العربي، جميعها تؤثر كل منها على الأخرى وتتأثر بها..

إنّ ما تشهده الساحتان من تحولات دولية وغياب لأفق الحلول ولّد استثماراً في الوقت الضائع لإرباك في مواقف الدول الملحقة، كما أنّ اختلال الأوضاع الاقتصادية قد أدّى إلى اختلال في الأوضاع الاجتماعية مما ولد حراك الشارع الغربي.

بالإضافة إلى أنّ الإرباك الأوروبي السياسي، كانت واضحة فيه الأصابع الأميركية، التي مهّدت له، بإبعاد حليفتها بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وتكبيل السياسات الأوروبية بالتضارب مع القطاع الخاص نتيجة التزام الشركات للشروط الأميركية وتمنع الدول الأوروبية في تطبيقها. بحيث يكون الخطاب والموقف الأميركي مرتكزاً على تأزيم الحلول وتأخير التسويات بغية تشديد الضغوط على الدول التي لا تسير في الركب الأميركي.

وبالتالي تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تأخير انعقاد القمم الاقتصادية أو تعطيل مفاعيلها لتكون أداة الابتزاز السياسي في مرحلة التسويات المقبلة، خصوصاً أن تجميد التسويات جاء بقرار أميركي.

إقليمياً، أولويات الولايات المتحدة الأميركية تختلف عن أولويات القمم الإقليمية وهي تستغل موقعها للضغط على الدول للسير نحو تكثيف الضغوط على سورية وإيران وخلفهما روسيا والدول الاقتصادية الساعية إلى إيجاد منافذ استثمارية لها، وقمة وارسو التي تعمل عليها الولايات المتحدة الأميركية خير دليل.

لتغدو الأوامر الأميركية هي التي حدّدت حجم الحضور بالأمس وهي التي ستحدّده لاحقاً في تونس فـ»العرب» المرتبطون بالمشروع الأميركي لا يستطيعون الخروج عن التعليمات الأميركية والدول العربية التي تدفع باتجاه عودة سورية قد تقاطع أو تخفف من حجم تمثيلها في تونس.

وأكد الموقف الأميركي بالتأثير على القمة الاقتصادية لا بل وإلغائها الموقف السعودي اللافت تجاه القمة الاقتصادية والاجتماعية في بيروت، فهو اقترح إلغاء هذه القمة وأن يضاف الموضوع الاقتصادي والاجتماعي إلى ملفات القمة العربية الدورية، حيث لا حاجة لأن يبحث الموضوع الاقتصادي والاجتماعي بمعزل عن الموضوع السياسي.. فهل ستنتهي الجامعة العربية في تونس في حال لم تنضج التسويات الإقليمية؟

لبنانياً، فإنّ لبنان المأزوم داخلياً والمتأزم إقليمياً نتيجة التموضعات الجديدة في المواقف العربية تجاه سورية وبقاء لبنان متخلّفاً عن مواكبة المستجدات الإقليمية والدولية حتى بات موجوداً اليوم في آخر القاطرة التي وضع نفسه فيها بسياسة النأي بالنفس لم يستفد بالانتقال إلى مرحلة متقدمة ليستفيد من المواقف الإقليمية تجاه سورية.

حتى أنه كان بالإمكان تشكيل حكومة منذ أقل من شهر تعمل على بيان وزاري يضع فيها مصلحته العليا خارج إطار المواقف الضيقة التي تزيد من أزمة الداخل اللبناني من دون أن يكون أدنى اهتمامات للدول العربية بلبنان لربما يؤدي إلى إصابته بتراجع في متانة قوته الداخلية ومنعته الوطنية مما يعطي «الإسرائيلي» المأزوم أيضاً، حيزاً أكبر للتحرك بتوسعه الانتهاكات لأرضه وسمائه في الوقت الذي لا يكاد يسجل فيه سوى شكاوى لا تعطي أي نتائج! وليس الانتهاك الذي حصل بالأمس الذي سجله من فوق القمة العربية بآخر الانتهاكات للبنان لضرب سورية..

أما موضوع النزوح السوري، الذي تغنّت به المواقف الرسمية اللبنانية فهي لم تزد في رؤية العرب تجاهها بتجاهلها كقضية إنسانية بل الاستثمار عليها في جعلها قضية سياسية تزاد للضغط على لبنان.

فالعرب لم يقدموا المال ولم يتركوا للبنان حرية التصرف بالاتصال بالدولة السورية بل وعدوه بـ»دعوة المنظمات الدولية للقيام بواجبها من خلال مؤتمر سيعقد لهذه الغاية بحضور العرب والمنظمات والدول التي تتحمل واقعة النزوح».

وهذا سيزيد في الانقسام اللبناني بحيث أنه سيبقي الموقفين بتصلبهما، وبالتالي سيكون لبنان مسرحاً للتجاذب حول الكثير من القضايا الأساسية والمهمة.

فهل سيبقى لبنان يعيش سياسة «النعامة»؟ بعد أن قيّد نفسه في موضوع النازحين بالجامعة العربية كما قيّد موقف لبنان تجاه عودة سورية إلى جامعة الدول العربية بـ»الموقف الجامع» أي الـ «لا موقف»، فلا حاجة للبنان عندما يكون الموقف جامعاً.. أما المقررات والتوصيات التي صدرت كأنها وريقات مبعثرة

ظهرت على مرحلتين ميزتها «بيع مواقف لا تصرف» كما حدث تجاه موضوع الفلسطينيين.

وهل تكفي أدبيات الرئيس عون تجاه القضية الفلسطينية؟ إذ لم تؤكد القمة إن كانت ستؤمن الضمانات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في ظل أزمة «الأنروا» أم سترضخ الدول العربية لتعليمات أميركية وما تلاها من تطبيع ومسعى لإسقاط حق العودة! بدلاً من أن تجعلها أولوية على الأولويات..

أسئلة لا تنتهي وفي النهاية يبقى الأميركي هو المتحكم والمسيطر على كلتا القمتين رغم غيابه يبقى حضوره مُكراً بين الكواليس..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى