لتعزيز ثقافة الوحدة التي تميّزنا… ووأد الغرائز القاتلة
فاطمة الملحم
سورية تشكّل أنموذجاً لوحدة الحياة، والسوريون يباهون بوحدتهم، ويفاخرون برجالاتهم الكبار أمثال صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وفارس الخوري الذين وحّدهم الانتماء الى الأرض، فصنعوا المجد لبلدهم وأبناء شعبهم.
مع هذه الكوكبة التي قادت الثورة السورية الكبرى، ومع الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي قاد حركة تصحيحية مكّنت سورية من امتلاك كلّ عناصر القوة، في السياسة والاقتصاد والدفاع، فإنّ سورية تبوأت مركز الصدارة، ليس على صعيد المنطقة وحسب، بل على الصعيد العالمي، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد نكرانها. وهذا كله بفضل منظومة قيم الوحدة الاجتماعية والإنسانية التي ترسخت في مجتمعنا السوري.
سورية تعملقت كدولة، لأنّ إنسانها انحاز إلى العقل ليكون شرعه ومرجعه، فتغلّب على كلّ أنواع الغريزة وتحرّر من كلّ أشكال التعصّب، وعرف كيف يميّز بين الحق والباطل، وكيف يكون الكفاح في سبيل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
السوريون يمقتون التعصّب القاتل والهدام، ويرفضون استغلال الدين لأغراض التطرف وتكفير الآخر. فهذا نتاج الغرائز التي تستهدف قيم الإنسانية وتفتيت وحدة المجتمعات التي تسعى إلى الارتقاء بالعلمانية.
فحين تسود الغرائز، يغيب العقل وتنحدر القيم، وتسود فلسفة الجوارح التي تتغذّى من الجثث، ويصير القتل ثقافة والحياة استثناء. والغريزة هي تلك التي يشترك فيها بعض البشر مع سائر الكائنات، فلا يعود هناك فرق بين الإنسان والحيوان سوى بالنطق.
تسخير الدين لتصفية الآخر، هو ما قامت به العناصر الإرهابية المتطرفة التي امتهنت القتل والإجرام والتخريب والتدمير.
وهو ما قامت به قنوات إعلامية عديدة، لا سيما الفضائيات «الدينية» التي تستثير الغرائز من دون حسيب ولا رقيب.
وهو ما تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل على بث الإشاعات ونشر ثقافة التطرف لكي تحدث شروخاً وانقسامات في المجتمعات.
وكلّ هذه الفوضى مسؤولة عنها أميركا التي لها اليد الطولى بالعبث بقناعات الناس والتأثير على الجمهور بالإعلام والأفلام ونشر الأفكار والدخول إلى لاوعي الشعوب والعبث بعقلها الباطن، وشيطنة مسلّماتها من الداخل لتبدو صادرة عن الشخص بملء إرادته.
ومن هنا ما بعد الحرب على سورية ليس كما قبلها، فنحن بحاجة إلى خطة مواجهة معاكسة، بحاجة إلى نهضة فكرية شاملة على مستوى الأسرة ومناهج التعليم والمؤسسات الدينية والمنظمات الشعبية حتى لا تكون نهاية الحرب مجرد استراحة لجولات من حروب مقبلة لا تبقي ولا تَذَر.
المطلوب تعزيز ثقافة الوحدة كما كانت وأقوى لوأد الغرائز القاتلة، وتعزيز الانتماء لوطن كان موجوداً قبل أن يعتنق الإنسان الأديان واختراع طقوسها حتى.