المستر دي ميستورا وتجميد القتال في حلب بين الواقع والطلب
د. سليم حربا
حرّكت فينا فريزا السيد دي ميستورا التي تريد تجميد القتال في حلب، حرارة الجري والتّحري لإزالة إشارات الاستفهام والتعجب، لا سيما أنّ القاعدة الذهبية في التحليل والتعليل هي وضع الطرح في سياقه المكاني والزماني، أي لماذا حلب؟ فالثابت لدى المجموعات الإرهابية أنها لا تلجأ إلى تسوية إلا عندما تكون خياراتها محدودة وطرقها مسدودة وأيامها معدودة وتحركاتها مرصودة، لا سيما أنّ الجيش السوري يوشك على تحقيق أهدافه الاستراتيجية بخنق وإخضاع ما تبقى من فلول الإرهاب فيها.
لماذا حلب الآن؟ بعدما بدأت «داعش» وراعيها أردوغان تندحر، وراحت شقيقتها القاعدية الصغرى «النصرة» تلتهم ما تبقى من أبنائها وإخوانها وأخواتها وأصدقائها، وقد اعتزلت أو اعتدلت أميركياً بمبدأ التهام الصديق وقت الضيق، وبدأ الاعتراف الأميركي بالعجز من مسقط إلى عين العرب، وباتت أحلام المناطق العازلة العثمانية مجرّد أوهام يجترّها من تبقى من «إخونجية» روبرت فورد، وبعد أن تعلّم العالم فنّ القراءة والاستقراء السوري في مكافحة الإرهاب وأولويته، وأصبح العالم يقول: إذا قالت سورية فصدقوها فعند سورية الخبر اليقين.
في هذا السياق، تأتي مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي أسقط عن كاهله جمل الجامعة العربية بما حمل وعمل، فصال وجال وطال السيد دي ميستورا فتوصل إلى اقتراح تجميد القتال.
إنّ هذا المصطلح الإشكالي الغامض من الداخل، وما قد يظهر منه إلى الخارج، يستحضر ذاكرتنا ويفتحها على دور الأمم المتحدة ومبادراتها التي علّمتنا وألّمتنا من مبادرة الدابي التي أنتجت بابا عمرو إلى مبادرة كوفي عنان التي أفرزت القصير إلى مناورات ومبادرات الأخضر الإبراهيمي التي ظهّرت «داعش» وأخواته ومكّنته من الانتشار.
لقد استطاعت الدولة السورية بحكمتها السياسية والدبلوماسية وعبقريتها الاستراتيجية وإنجازاتها العسكرية، أن تفكك كلّ تلك الألغام والأفخاخ من بابا عمرو إلى جنيف2 وما بينهما، وها هي حقيبة أفكار السيد دي ميستورا تُفتح فتتلقفها الدولة السورية بحكمة وحرص، انطلاقاً من مبدأ احترام القانون الدولي والتعاون مع الأمم المتحدة ومبعوثيها، معتبرة أنها جديرة بالدراسة من منطلق الحرص على دماء أبنائها الأبرياء وعودة المهجرين. لكنّ الدراسة تحتاج إلى منهج وتسلسل منطقي من الفهم إلى التفهّم إلى التعليل إلى التحليل إلى التركيب لفرز أحرف العلة والأفعال المشبوهة والمشبّهة بالفعل والنكرات وتدوير الزوايا، لكي لا يكون تجميد القتال هو الهدف، في حين يجب أن يكون وسيلة لبلوغ الهدف، ولكي لا تكون الأفكار خرائط دروب إلى غرف إنعاش للإرهاب الذي يحتضر، ولكي لا تكون فرصة لإعادة تركيب وإنتاج الإرهاب بمسمى جديد، والأهم أن تكون أفكار المبعوث الأممي بالتجميد على حماسة وحرارة تنفيذ القرارين 2170 و 2178 الداعيين إلى محاربة «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الأخرى، وقطع كل سبل الدعم عن الإرهاب وتقطيع الحبال السرية والعلنية التي تربط الإرهاب بمشيمته الأردوغانية، وأن يكون للسيد دي ميستورا قدرة سحرية، علنية أو سرية، على البحث والتنقيب عن غرف عمليات ومرجعيات قادرة على لجم مئات التنظيمات والمسمّيات الإرهابية الإخوانية والوهابية، وأن يكون السيد دي ميستورا قد أتى إلى دمشق بأفكار، وخرج منها بنسخة من دستور الوطن الذي يقدّس السيادة الوطنية ويطلق العنان للمصالحة الوطنية ولا يساوم ولا يهادن الإرهاب، ويؤكد الثابت الوطني وهو أنّ الحلّ كان وما زال وسيبقى سورياً ـ سورياً، ونرجو أن لا يقع السيد دي ميستورا في شرّ ما وقع فيه أسلافه وإلا سيقول له السوريون: انتهى الدرس يا ذكي.