موسكو لتعويم اتفاق اضنة بين سورية وتركيا… الجيش السوري يضمن الحدود الحكومة المتعثرة… مكانك راوح… وعودة إلى «لا تقول فول ليصير بالمكيول»
كتب المحرّر السياسيّ
مع تقدّم الأزمة الفنزويلية إلى واجهة الأحداث العالمية تسارعت التطورات الأميركية الداخلية باتجاه تجميد الصراع الذي فتحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الكونغرس تحت عنوان الجدار مع المكسيك وانتهى بتعطيل الحكومة، فوافق ترامب على تجميد قراره بتعطيل الحكومة لثلاثة أسابيع إفساحاً في المجال لتوصل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتوافق تشريعي حول الجدار. ورأت مصادر متابعة في واشنطن في الهدنة القائمة على تراجع ترامب خطوة إلى الوراء، نتيجة لحاجة ترامب لتوحيد الوضع الداخلي في مواجهة التطوّرات المقبلة على الحدود مع القارة الجنوبية في ضوء الوضع في فنزويلا والأزمة مع المكسيك، بعدما تلقى ترامب صفعة جديدة تمثلت بالفشل في ضمان الاعتراف بالانقلاب في فنزويلا من منظمة دول أميركا اللاتينية، حيث صوّت مع الانقلاب ست عشرة دولة ومع شرعية الرئيس نيكولاس مادورو ثماني عشرة، والاعتراف بشرعية انقلاب خوان غوايدو تستدعي تصويت أربع وعشرين دولة.
إقليمياً، بدأت المواقف الروسية العلنية تكشف حقيقة نتائج قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب أردوغان، بعدما كانت التحليلات والاستنتاجات التي تتحدث عن تفهم روسي للمسعى التركي بإقامة المنطقة الآمنة، قد ملأت وسائل الإعلام والصالونات السياسية، فجاء الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف واضحاً في رفض مشروع المنطقة الآمنة باعتباره خروجاً على مسار أستانة، حيث شدد لافروف على مساعي موسكو لتعويم اتفاق أضنة الموقع عام 1998 بين الدولتين السورية والتركية والذي تضمن بموجبه دمشق عبر جيشها أمن المناطق الحدودية. واعتبر لافروف أن هذا التعويم وحده يحقق الهدفين، طمأنة الهواجس التركية، والتمسك بوحدة سورية وسيادتها.
لبنانياً، عاد التعثر الحكومي مكشوفاً من دون مساحيق التجميل التي جملتها تصريحات الأيام الماضية، وأكدت المصادر المعنية بالملف الحكومي أن لا شيء جديداً على مسار العقد التي تعيق تأليف الحكومة، فلا الحقائب عرفت توزيعاً نهائياً يمكن اعتباره جاهزاً فور الانتهاء من عقدة تمثيل اللقاء التشاوري، ولا عقدة التمثيل تقدّمت خطوة، فكل ما يجري كان حملة علاقات عامة وتبادل أفكار، لم تسفر عن أي حلحلة للعقد، وكأن المطلوب كان امتصاص الغضب الشعبي من المماطلة والإيحاء بأن شيئاً يجري للخروج من التعثر قريباً، ما دفع بالمصادر ذاتها للقول، لقد عادت معادلة «لا تقول فول تيصير بالمكيول» إلى الواجهة، وما عاد ممكناً تصديق المؤشرات الظاهرة إلا إذا حملت حلولاً واضحة للعقد. وختمت المصادر بالقول، تبدو عقدة العقد أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري غير مستعجل لولادة الحكومة، وما يعنيه فقط هو عدم تحميله مسؤولية التأخير وما يترتب عليه، وليس همّه تحمّل مسؤولية التأليف إطلاقاً.
المفاوضات إلى باريس؟
لم يُسجل الملف الحكومي أي جديد يذكر سوى انتقال التفاوض الى باريس لبضعة أيام أو أقل، حيث قصدها الرئيس سعد الحريري في زيارة عائلية كما قِيل، لكن توقيت الزيارة مع وجود الوزير جبران باسيل ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع في العاصمة الفرنسية ليس محض صدفة ويُثير التساؤل! وقد تحدّثت المعلومات عن لقاء مرتقب بين الحريري وباسيل للبحث في عقدتي الحقائب وتمثيل اللقاء التشاوري وذلك للاستفادة من الوقت والإسراع في الاتفاق على مخرج للأزمة الحكومية.
إلا أن أوساط الرئيس المكلف أشارت لـ»البناء» الى أن «سفر الحريري لا يعني تراجع مناخ التفاؤل والأجواء الإيجابية، بل هي زيارة عائلية لبضعة أيام ويعود الى بيروت لاستئناف المشاورات»، موضحة أن «الحريري يقوم بواجباته على أكمل وجه ويتحاور مع الجميع لتذليل العقد من أمام الحكومة والعقدة، ليست عنده والعرقلة ليست منه بل من أطراف أخرى».
وفي تفسير لكلام الحريري عن حسم الأمور خلال الأسبوع المقبل، ترى أوساط نيابية لـ»البناء» أن الرئيس المكلف أمام ثلاثة خيارات: الأول تأليف الحكومة وربما هناك وعد تلقاه الحريري من باسيل بالتنازل عن الثلث الضامن استند عليه في تفاؤله الأخير، وإما إعلانه الاعتذار عن التأليف. وهذا مستبعَد بحسب مصادر تيار المستقبل، وإما تعويم حكومة تصريف الأعمال. وهذا الخيار المرجّح وما ألمح اليه مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل من بيت الوسط خلال زيارته الأخيرة الى بيروت.
وأكد رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان أنه «إذا لم يكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قادراً على تأليف الحكومة، فليعتذر كما يحصل في الدول الحضارية، فالبلد لم يعُد يحتمل التأجيل، علماً أنني أتمنى خيار التأليف وأن نخرج من هذه الدوّامة». وفي حديث تلفزيوني أوضح أرسلان أن « رئيس الجمهورية كان من اللحظة الاولى مصرّاً على حكومة وحدة وطنية وعلى اعتماد معيار واحد، ثمّ بدأنا نشهد من هنا وهناك شروطاً وطروحات تعجيزية للعرقلة»، معتبراً أن «مبدأ الاحتكار لدى الطوائف ولّى واليوم لم يعُد بإمكان أحد احتكار أي طائفة في لبنان».
وإذ تحدثت مصادر عن مخارج وسطية يجري تداولها للوزير الـ 11 بين رئيس الجمهورية واللقاء التشاوري للسنة المستقلين، رفضت مصادر اللقاء التشاوري أي حل على حساب «اللقاء» كالبحث عن جواد عدرا ثانٍ أو وزير ملك مثلث الولاءات، مشيرة لـ»البناء» الى أن «اللقاء لن يقبل بتقييد حرية الوزير الذي يمثله من الآن، بل الوزير الذي يمثلنا يجب أن يملك حرية قراره بالتصويت على القرارات داخل مجلس الوزراء بما يراه مناسباً، وبالتالي لا يقبل بأن يلزمه أحد بالتصويت مع رئيس الجمهورية أو عدم التصويت ضده، بل نريد أن يكون مستقلاً ويحضر اجتماعات اللقاء ويتحدّث باسمه». وأكدت المصادر بأن «موقف حزب الله وحركة أمل على حاله لجهة دعمنا بأي قرار نتخذه ولم يطلب أحد منا التنازل على الإطلاق».
وعمن قصده اللقاء بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة في بيانه أمس، أوضحت المصادر بأنه «موجه الى كل الذين يدعون الحرص على حقوق وصلاحيات رئيس الحكومة من رؤساء حكومات سابقين وسياسيين ومراجع دينية سنية، فلماذا يصمتون على تدخل بعض رؤساء الأحزاب بعملية التأليف بما يخالف الدستور؟
وأكدت المصادر بأن «العقدة التي تحول دون تأليف الحكومة هي رفض الحريري المطلق لوزير في الحكومة يمثل فريق المقاومة، إذ لا يريد الحريري ومن خلفه السعودية سنة في الحكومة يؤيدون المقاومة، لأنهم يريدون استخدام الطائفة السنية ضد حزب الله والمقاومة».
وأشار النائب جهاد الصمد في بيان بعد اجتماع اللقاء الى أن «أسباب المراوحة الحكومية مكابرة الرئيس المكلّف ورفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية. وجدّد اللقاء تمسكه بتمثيله في الحكومة بواحد منهم أو بالأسماء الثلاثة المطروحة»، مضيفاً «لن نقبل ان يكون وزير اللقاء التشاوري الاّ ممثلاً حصرياً للقاء». ولفت الصمد الى أن «اللقاء مستاء من تنازل الرئيس المكلف عن الكثير من صلاحياته وقبوله مشاركة آخرين في تشكيل الحكومة». واشار الى ان «لا يجوز ان يكون لدى فريق الثلث المعطل، لأن هذا الامر ينتقص من صلاحيات رئيس الحكومة».
وإذ اسف لغياب الرؤساء والملوك وسورية عن القمة العربية الاقتصادية في بيروت، طالب اللقاء المجلس الدستوري بإصدار القرارات في شأن الطعون الانتخابية. كما دعا «الحكومة اللبنانية الى التعاون مع الحكومة السورية لتأمين عودة النازحين السوريين بما فيه خيرهم وخير لبنان».
أما لجهة إعادة توزيع بعض الحقائب الوزارية فلم ينجح الرئيس المكلف حتى الآن بإقناع الأطراف بتوزيعة نهائية، بحسب ما علمت «البناء»، رغم أن المعلومات تحدّثت عن موافقة الرئيس نبيه بري التنازل عن حقيبة البيئة للتيار الوطني الحر مقابل الحصول على وزارة الصناعة الواردة في حصة الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أشارت مصادره لقناة الـ»أو تي في» إلى أن «النائب السابق وليد جنبلاط من المسهّلين لتشكيل الحكومة، ولكن من غير الوارد أن نقبل بوزارة المهجرين ».
إطلالة لنصرالله اليوم
الى ذلك تتجه الأنظار إلى إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حوار على قناة الميادين مساء اليوم، وما ستتضمنه من مواقف حول آخر المستجدات المحلية والإقليمية والدولية، حيث سيتطرق السيد نصرالله الى الملف السوري والتطورات على الحدود مع فلسطين المحتلة والتهديدات الإسرائيلية الاخيرة كما سيتناول الأزمة الحكومية والوضع الداخلي عموماً، وبحسب معلومات «البناء» فإن كلام السيد نصرالله سيكون هادئاً لكن بمضامين صاخبة لا سيما تجاه العدو الاسرائيلي.
تعويم حكومة تصريف الأعمال؟
أما السؤال الذي بدأ يُطرَح بجدية في الكواليس والمقار الرئاسية كما في الأوساط المالية والاقتصادية فهو ماذا لو لم تُشكل الحكومة؟ ما هو البديل لمواجهة الانهيار وتسيير مرافق الدول ومؤسساتها، هل هو عودة الحريري الى السراي الحكومي من بوابة تعويم حكومة تصريف الأعمال؟ على أن مصادر اقتصادية رسمية معنية بالشأن الاقتصادي والمالي لفتت لـ»البناء» الى أن «الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً وكذلك الوضع المالي في ظل العجز الكبير في الخزينة والدين العام وكلفته وعدم وجود موازنة، وتجميد المساعدات الدولية وربطها بتأليف الحكومة»، لكن المصادر طمأنت الى أن «الوضع النقدي تحسن خلال الأيام القليلة الماضية بعد قمة بيروت والوديعة القطرية والحديث السعودي عن دعم لبنان على كافة المستويات»، إلا أن المصادر كشفت بأن «أياً من هذه المساعدات العربية والدولية ستدخل الى الخزينة اللبنانية قبل تأليف حكومة تُجري الإصلاحات اللازمة وتشرف على صرف الأموال وتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر».
مصادر دستورية وسياسية أوضحت لـ»البناء» أن لحكومة تصريف الأعمال الحالية الحق في تصريف الأعمال، لكن بالمفهوم الضيق وبشكل محدود بحسب الدستور وبالقضايا الملحة والأساسية كالموازنة ويتم ذلك بطريقتين: عبر مجلس الوزراء أو عبر الوزراء المختصين في وزاراتهم»، موضحة أن «رئيس المجلس سيطلب من حكومة تصريف الأعمال الانعقاد لتصديق قانون الموازنة وإرساله الى المجلس لإقراره»، موضحة أن «المجلس النيابي يمكنه عقد جلسات تشريعية متى يشاء في ظل حكومة تصريف الاعمال استناداً الى مبدأ فصل السلطات»، ولفتت الى أن «وزاة المال تستطيع صرف المال على القاعدة الاثنتي عشرية وفقاً للدستور حتى نهاية شهر كانون الثاني الحالي وبعدها أي صرف على هذه القاعدة مخالف للقانون إلا في حالة إقرار قانون يجيز للدولة تمديد الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية كما حصل العام الماضي ريثما يتم إقرار قانون موازنة 2019».
على مقلب آخر، يبدو أن الصراع بين الدولة وأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة يأخذ منحى تصعيدياً مع تلويح وزير الاقتصاد رائد خوري بمزيد من الإجراءات العقابية بحق اصحاب المولدات المخالفة لقرار الوزارة بتركيب عدادات، وأكد خوري في حديث تلفزيوني أن «الناس لم تعد تقبل بهذه الحالة في ما يخصّ المولدات وتركيب العدادات والإجراءات ستتصاعد حتى تركيب العدادات على كل الأراضي اللبنانية». وأشار خوري الى أن «معركة الدولة بوجه إمبراطورية أصحاب المولدات لن تقف حتى بعد تشكيل حكومة جديدة».