أيّ سياق لما يحدث في فنزويلا سيشكل كابوساً للولايات المتحدة الأميركية

ألكسندر نازاروف

شرعت الولايات المتحدة الأميركية في محاولة جديدة لتدبير انقلاب في فنزويلا، من خلال اعترافها برئيس البرلمان المعارض، خوان غوايدو، رئيساً مؤقتاً للبلاد، لكن يبدو أن لا أحد في الولايات المتحدة الأميركية يدرك تداعيات نجاح المعارضة على الولايات المتحدة نفسها.

على الرغم من أنّ فنزويلا هي دولة غنية بالنفط، إلا أنه من الواضح للجميع أنّ الوضع الاقتصادي صعب والتضخم يجتاح البلاد بشكل هائل، ويعاني المواطنون من عدم توفّر العديد من السلع، وهناك من يتصوّر أنّ السبب يعود للتجارب الاشتراكية التي قام بها كلّ من تشافيز ومادورو، إلا أنّ الأزمة أعمق وأقدم من ذلك بكثير، والأهمّ أنها لا تملك أيّ حلول إيجابية بصرف النظر عمّن يقود البلاد.

إنّ وصول تشافيز للسلطة، وتحوّله إلى سياسات أكثر اجتماعية وشعبوية كان نتيجة لأزمة اقتصادية عقب محاولة تطبيق نموذج تطوير فنزويلا كشبه مستعمرة ومصدر للمواد الخام للولايات المتحدة الأميركية، التي لم تتوان عن سرقته بلا هوادة. وليس الفقر الاقتصادي الحالي سوى خطوة واحدة على طريق الألف ميل.

لا يوجد أمام حكومة أيّ دولة، سواء فنزويلا أو حتى الولايات المتحدة الأميركية، حيال الأزمة الاقتصادية وانخفاض المستوى المعيشي للمواطنين سوى طريقين للحفاظ على السلطة وتجنّب الفوضى والانهيار التامّ للدولة: فإما الديكتاتورية، قمع المظاهرات بقوة، أو اللجوء إلى توزيع خيرات وموارد الدولة على نحو أكثر عدالة، واجتماعية بين المواطنين. والطريق الأخير هو ما سلكه تشافيز ومن بعده مادورو … ، وكلاهما ليسا سبباً وإنما نتيجة لعملية طويلة وكبيرة لسقوط فنزويلا، التي حافظت على نفسها من الانزلاق طويلاً اعتماداً على المساعدات الخارجية، وبالذات من الصين وروسيا. ولن تتغيّر الأمور برحيل مادورو إلا إلى أسوأ، لأنّ الولايات المتحدة الأميركية تعوّدت على الأخذ لا العطاء، ولن تتكفل يوماً بفنزويلا.

وأياً كان القفاز الأميركي الذي ستضعه واشنطن على رأس السلطة هناك، لن يكون أمامه سوى الاختيار ما بين الطريقين: قمع الشعب بالقوة أو اللجوء إلى الاشتراكية من جديد، لأنّ العالم بأسره يتهاوى نحو الأزمة، ولن يكون هناك أيّ فرصة لفنزويلا للوقوف على قدميها، كما أنه من الصعب أن يؤدّي قمع الشعب إلى أيّ نتائج إيجابية. وكلّ هذا يجعل من سيناريو الحرب الأهلية أمراً واقعيا ًوارد الاحتمال، بما يحمله من تداعيات الانهيار الكامل للاقتصاد وتدفق ملايين اللاجئين. وهنا يجب ملاحظة أن تعداد سكان فنزويلا يبلغ 31.5 مليون نسمة، أيّ أنه أكثر من عدد سكان سورية. وسوف يصبح تأثير الانهيار الكامل لفنزويلا على القارة بأكملها كارثياً، وعلى خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية، يمكن أن يؤثر تدفق اللاجئين الفنزويليين على استقرار جميع الدول المجاورة، ليتضاعف بضع مرات عدد المواطنين الراغبين في اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وفي ظلّ تلك الظروف لن يكفي حائط واحد على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأميركية لحمايتها، في الوقت الذي كانت فيه مشكلة المهاجرين تحديداً هي أحد العوامل الرئيسية التي أدّت إلى انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ودخول الأزمة الداخلية الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة من الحدة والمواجهة.

إنّ أزمة الولايات المتحدة الأميركية هي أزمة نموذج الاقتصاد المفتوح والعولمة، والذي تقع الولايات المتحدة في مركزه. وسوف يتسبّب خروج الولايات المتحدة الأميركية من هذا النموذج إلى العزلة، كما يريد الرئيس ترامب، بقلب العالم بأسره، وتفتيت تحالفات قديمة، وتغيير كلّ شيء في حياتنا. كذلك فإنّ العزلة وأعني هنا عزلة الولايات المتحدة برغبتها وإرادتها المنفردة هي عملية مزعجة، يتعيّن على الدولة الأميركية أن تخوضها.

وعقب سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب الأميركي في الكونغرس، أتوقع أن تكون إجراءات عزل الرئيس ترامب قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة المباشرة، ولن يزيد «الإغلاق الحكومي» الطين إلا بلة، وسيعجل بوتيرة عملية العزل، بدلاً من أن يتجنبها.

بشكل عام، فإنّ المجتمع الأميركي يعتريه توجه عنصري متنافر، ولأسباب داخلية أصبحت العزلة غير ممكنة دون تحفيز للأزمة، بينما ينتمي ترامب إلى الجيل الأخير من أطفال القنبلة السكانية Baby Boom البيض، الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية. ودعونا نتخيّل أنه بعد نجاح الأجهزة السلطوية الأميركية في كبح جماح محاولات الرئيس الأميركي للعزلة، سوف يجتاح الولايات المتحدة الأميركية ملايين وعشرات الملايين من اللاجئين الجدد من أميركا اللاتينية. وهنا سوف يصبح انتخاب «ترامب-2» أكثر جذرية، وتغدو الأزمة الداخلية الأميركية أكثر حدة، وسوف تنفجر البلاد بكلّ معنى الكلمة، وتصبح على حافة حرب أهلية.

هناك من يشكك فيما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية لا ترى هذه العواقب؟ ولكن كما تعلّمنا من أمثلة أفغانستان والعراق وسورية، فالإجابة لا، السياسيون الأميركيون لا يرون أبعد من الانتخابات المقبلة. لذلك نتابع الهستيريا حول «رشاغيت» التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية كمثال حيّ على تنويم النخب الأميركية لنفسها مغناطيسيا، لتعيش في عالم خيالي، فتعجز عن التعامل مع الوقائع والتحديات.

وإذا أراد الله عقاب أحد، نزع عنه عقله.

نقلاً عن «التايمز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى