في يوم التأسيس… عودة إلى الماضي الجميل 3
الياس عشي
بين تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي واغتيال المؤسس أنطون سعاده سبعة عشر عاماً 1932 – 1949 ورغم ضيق هذه المساحة الزمنية في تاريخ الأمم، اخترق الحزب البيئات المغلقة، وأزال الكثير من الحواجز التي كانت تفصل بين متحد وآخر، بل أحياناً كثيرة في المتحد الواحد، وأعاد إلى السوريين ثقتهم بأمتهم التي ظنّ كثيرون أنها ماتت، وعمل على تظهير نموذجين: نموذج للإنسان السوري السوپرمان، ونموذج للدولة القومية التي كان يخطط لقيامها.
حدث، في ذلك الزمن السيّئ، أن تآمر الداخل والخارج، فكانت المحاكمة الصورية لسعاده، وكان إعدامه، وكان جرح في الخاصرة ما زال ينزّ إلى اليوم.
هذا الجرح المفتوح في الخاصرة السورية يحضنك بأوجاعه، ويرميك في قعر بكائيات حزينة، غاضبة، عاصية. يحمل إليك كلّ صباح زوّادة خاوية من رغيف الخبز الساخن، وحبّة البركة، ورائحة القهوة، وشهقة عصفور يقاسمك خيوط الفجر.
أيّ فجر ينتظرنا على قارعة «ذلك الليل الطويل» الذي تحمّلنا وزره، وتهجّينا حروفه، مرافقين محمّد يوسف حمّود في عرسه الجنائزي؟
بل أيّ فجر سيحمل الفرح إلينا وكمال خير بك ما زال على رصيف بيروت، وما زال يردّد:
اليومَ أرجِعُ والأجراسُ ساهرةٌ
بين المقابرِ، والأنقاض، والخربِ
أعودُ نحوكمُ من بعدما عَبَرَتْ
قوافلُ الحزن والآلام والغضبِ
رغم فداحة الجرح السوري، ورغم الأرض اليباب الراحلة في حقول الياسمين، وبين قامات النخيل، وبيارات الليمون، وكروم الزيتون، سنبقى مشغولين بالعودة إلى هؤلاء الكبار الذين أحرقتهم جمرة سعاده، فغنّوا، وكتبوا، وصاروا من المبدعين. من منّا لا يردّد بينه وبين نفسه وهو يتتبع المشهد السوري اليوم ما قاله الماغوط: « لن ننتصر على أعدائنا، وأعداء حريتنا وتاريخنا ومستقبلنا، بالسلاح الأبيض أو الأحمر، بل بالسلاح الأزرق، أي الكلمة». أو قوله: «الطغاة كالأرقام القياسية لا بدّ أن تتحطّم في يوم من الأيام».
كيفما التفت ترى الطغاة، ومن دون خجل، يتآمرون على كلّ سنبلة قمح تلوّحت بشمس سوريةَ لتصير رغيفاً للفقراء، وعلى كلّ حرف لا يعرف الانحناء، وعلى كلّ قامة وقفت في وجوههم وقالت: لا… لن نكون شهود زور في معركة نعرف تماماً كيف بدأت… وأين سينتهي بنا المطاف فيما لو تحقّق الحلم اليهودي في سايكس ــ بيكو أخرى.
لن نكون شهود زور… لا نستطيع أن نكون شهود زور إذا كنّا فعلاً من تلاميذ سعاده. بل لا يحقّ لنا أن نشارك في ذكرى التأسيس إذا لم نكن قادرين على تحمّل تبعات الانتماء، وما رافق الانتماء من قسم.
نحن قادرون على تحمّل التبعات، شرط أن نكون متحدين وأقوياء ليسير بنا المؤسّس، مثلما وعدنا، إلى النصر، وشرط أن نسلّم بأنّ ما تعاقدنا عليه يساوي وجودنا، وشرط أن نسلّم بأن فلسفة سعاده التي بدأت بسؤال قد دخلت رحاب العلم يوم دخلت ميدان التطبيق.