الاتفاقات الموقعة بين سورية وإيران تدارك لخلل عمره أربعة عقود
حميدي العبدالله
وقعت سورية وإيران 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال الاجتماعات التي عقدتها اللجنة العليا السورية – الإيرانية المشتركة في دمشق. وتندرج جميع هذه الاتفاقات في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين والارتقاء به.
من المعروف أنه منذ انتصار الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه، نشأت علاقات تعاون وطيدة بين سورية وإيران قائمة على قاسمين مشتركين يجمعان بين البلدين هما موقفهما من الكيان الصهيوني، وسياسة الهيمنة التي تعتمدها الحكومات الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ثبات علاقات التعاون في المجالات السياسية وحتى العسكرية على امتداد أربعة عقود هي عمر الجمهورية الإيرانية، إلا أنّ العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي، لم تكن ضعيفة ولا تتناسب مع عمق ما يربط بينهما على الصعيدين السياسي والعسكري وحسب، بل كانت معدومة بشكل كامل، وعكس الميزان التجاري بين سورية وإيران هذا المستوى المفزع لجهة غياب التعاون الاقتصادي.
من نافل القول إنّ العوامل السياسية تخلق أرضية مشتركة للتعاون بين الدول، ولكنها لا ترسخ هذا التعاون، ولا تحوّله إلى مصالح مشتركة تدفع بشرائح واسعة من المجتمع للتمسك بهذا المستوى المتقدّم من التعاون والحفاظ عليه، وحدها الشراكة الاقتصادية وما تولده من مصلحة مشتركة هي أكبر مما يجمع بين المسؤولين في البلدين على المستوى السياسي التي تنقل العلاقات بين دولتين من مجرد تعاون سياسي فرضته حاجات الطرفين، إلى علاقة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة للبلدين.
الاتفاقات الموقعة الآن بين سورية وإيران تستدرك هذا الخلل التاريخي الذي شاب العلاقات الإيرانية السورية منذ قيام الجمهورية في إيران وسقوط نظام الشاه.
الواضح أنّ بلوغ هذا المستوى من التعاون وشموله المجال الاقتصادي ما كان ليحدث لولا اشتداد الضغوط والحصار من قبل الحكومات الغربية وحكومات المنطقة التي تدور في فلك النفوذ الغربي. فحكومات إيران وسورية كانت قبل هذه الفترة تولي أهمية أكبر لعلاقاتها التجارية مع الغرب نظراً لما يتمتع به الغرب من خبرات اقتصادية ومستوى متقدّم من التكنولوجيا.
مما لا شك فيه أنّ أيّ دولة في العالم ليس من مصلحتها إدارة ظهرها للدول المتقدّمة من ناحية التعاون الاقتصادي، لكن من المعروف أنّ الحكومات الغربية تستخدم الاقتصاد والتعاون الاقتصادي كسلاح لفرض هيمنتها وإقامة علاقات قائمة على التبعية. لم يأخذ هذا العامل بعين الاعتبار بالقوة اللازمة من قبل سورية وإيران واستمرّت الرهانات على علاقات واسعة مع الغرب تجارياً واقتصادياً، لكن إصرار الحكومات الغربية على استخدام السلاح الاقتصادي ضدّ سورية وإيران وفرض عقوبات شديدة عليهما أرغمها على تدارك الخلل الذي ساد العلاقات السورية الإيرانية طيلة أربعة عقود، وكانت هذه الاتفاقات، وربما يُصار إلى توقيع المزيد في المستقبل.