من تعميم الضرورة إلى تعميم الضرر…

حيّان سليم حيدر

في لبنان، يمكن لك التظاهر ضدّ المفعول وليس الفاعل، ضدّ الضرر وليس مسبّبه، وباختصار ضدّ الفساد وليس الفاسد.

في لبنان، يمكن لك النقّ… كلّ الوقت، عن كلّ شيء وفي كلّ اتّجاه وليس عن أيّ مسؤول… ولذلك أقترح استبدال تسمية الديوانية، حيث يجتمع الناس لتبادل الآراء في شؤونهم، بتسميتها «المنقّة» حيث نتبادل النقّ وهذه الصرخة جزء منها.

وكما الفساد، يمكن التظاهر ضدّ الاستبداد والغلاء والكهرباء والمحروقات والنفايات وجسر وجورة.

ولا تسلني عن الثورة في سبيل السيادة والاستقلال، فهذه شعارات تُشْهَر في وجه المطالبين بالعزّة والكرامة. فحتّى هذه الشعارات جعلها اللبنانيّون ثنائيّتين متواجهتين حتى ثمالة تفريغها من معانيها السامية، وهما في الأساس متلازمتين غير متناقضتين.

ومن شأن أيّ ثورة أو مظاهرة أن تعبّر إمّا عن مطالبة أو بهدف المساءلة في طريقها الى المحاسبة. ولكن لبنان عصيّ على الإثنين. فـ «دُودُ الخلّ منه وفيه». والبدء من الرأس. فدستوره لا ينصّ يُقال على مهل بشكل حازم ولا يشير الى نصاب بشكل جازم، وأنت تحتاج الى أساتذة في القانون الدستوري وقد أصبحنا جميعاً منهم لشرح كلّ يوم معانٍ خلناها واضحة كفصل السلطات وتوازنها ناهيك عن تعاونها، هذا المفهوم الغامض المجهول والمرفوض. ثمّ إليك بتضارب الصلاحيات التي أمست، لا نعلم كيف، ملكاً لطوائف دون سواها «مراعاةً» للمقتضيات الوطنية – مهما كان تفسير هذه العبارة – الاختراع البدعة التي قيل إنّه ميثاق، والله أعلم – وللعيش المشترك. معجزات ظهرت منذ تأسيس لبنان في مؤتمر فرساي ومع إعلان لبنان الكبير، ونحن في مئويّته الآن، وكان قد تكرّس بدستور أول في العام 1926. ثمّ ما أدراك بخلفية «التحسينات» التي أجريت على الدستور تكراراً منذ ذلك الوقت خدمةً… لما وصلنا إليه ؟

خَرْجْكُمْ 1 أيها اللبنانيّون… حقًّا خَرْجْكُمْ! سلمت أيادي المؤسّسين!

فالطائفية المزيّفة المزعومة، المعلنة الحجّة الأساس لهذه الآفة، ولكن الى حين لا يحِنْ، تتجدّد وتتمدّد. وهي الضامنة لزعامة رؤوس دويلات لبنان المتّحدة المتنازعة والمتضامنة والتي لا تسمح بمحاسبة الفاسدين وبالتالي بمكافحة الفساد. هي التي تستحيل الإنقلاب العسكري ولا تترك إمكانية حتى لثورة الرغيف، وهي أبسط أنواع الثورات وأسهلها فكرةً وحاجةً وتفسيراً وتبريراً. وباختصار هناك استحالة لثورة «من تحت»، فكيف بثورة «من فوق» لإسقاط هذه المنظومة الفاسدة المفسدة؟

والعطل منه وفيه… في الدستور أولاً وليس آخراً، في ثغراته، في ثناياه، في خباياه، في حناياه إذا قدّر له أن يحنّ . وممّا تابعناه من مناكفات خلال العقد المنصرم، في بنود مقدمته ج و ح و د وفي المواد 7 9 17 22 24 27 52 65 95 ممّا أذكره وفي غيرها. ولا يكاد يوجد مادة دستورية تنصّ على مهلة أو مصدر الصلاحية أو المرجع الصالح إلّا واختلفنا على تفسير تطبيقها. والعطل يكمن في أنّ المجلس هو «سيّد نفسهّ» المنوط به حصراً مهام التشريع وتفسير حكم الدستور وليس بمجلس دستوري يشير عفواً إلى الصحّ قبل أن يُشار . هذا المجلس يحتار حسب جهة الإفادة بين أن يفسّر عدم تحديد مهلة دستورية على أنّها تعني فوراً أو… قد تعني في الجانب المواجه لذلك أنّه لا حدود زمنية للأمر مخافة من التعرّض لصلاحيات إسمع واقرأ جيّداً – طائفة، وكأنّ الدستور بُنِيَ على صلاحيات طوائف محدّدة وليس مؤسّسات. وعلى علمنا البسيط أنّ تفسير الدستور يجب أن يكون خدمةً للمصلحة العامة، أيّ الشعب.

ولأنّ في التفسير تبرير، فكلّما انبرى فريق بتفسير مادة ما من الدستور، تنطّح له الفريق الآخر بتبرير مواجه، كأن يشرئبّ الشارع مقابل الشارع… ولكن في المجلس.

ولأنّ للضرورة أحكاما، فنحن نعطّل التشريع الطبيعي بمقتضياته وأزمانه وأزماته ونلجأ الى تشريع الضرورة بعد التذكير بما قيل عن إتفاق الطائف، في حينه، إنّه إتفاق الضرورة ومنه الى حكومة الضرورة وما يتبع ذلك من مخالفات الضرورة الى حيث جنحنا الآن بتميّز ونجاح كبيرين من تعميم الضرورة الى تعميم الضرر… على الكلّ وفي كلّ مجالات حياة المواطنين.

ولمّا خُيّل للبعض أنّ كلّ ما سبق قد لا يكفي لتعطيل: حتى التفكير بمحاسبة المسؤولين، وزيادة في الاحتياط 2 ، فالحكومةُ ملغيةُ المسؤولية عن كلّ عمل جلل وبحكم الدستور مرّة جديدة ، ولكن ليس عن النفع الخاص والتنفيع، وذلك منذ «إنجاز» الإنتخابات في 6 أيّار، عيد شهداء لبنان… وبعده أصبح كلّ اللبنانيّين شهداء بحقّ.

وبعد الدستور، العطل في القوانين والمراسيم والقرارات والتعاميم والتفاهمات والإسثناءات القاعدية والإمتيازات؟ كلّا انّ العطل يكمن في الممارسات. وفي الخلاصة العطل في الأخلاق والسلوك العام.

سيقول العالِم بالأمر، وبحقّ، أنّني خلطت في ما بين الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد. صحّ، لقد تقصّدت الأمر هنا، تماماً كما هي مقاصد الشبكة الحاكمة المتجدّدة أبداً عبر إضاعة المفاهيم العامة ما بين الصلاح والإصلاح والمصالح، ما بين الفساد والإفساد و…!

هنيئًا لكم أيها اللبنانيّون… خَرْجْنا… وسنبقى نتحاور «حضاريّاً» على هذه الحال حتى «يحنّ الضبّ في إثر الإبل الصادرة» 3 مثلٌ جاهليٌ قد يصلح لوصف «حكماء» لبنان

1 تُلفظ الكلمة بالعامية.

2 ولهذه قصّة منفصلة.

3 يُضرب هذا المثل في الشيء الممتنع المستحيل لأنّ

حيوان الضبّ ليس له حنين أصلًا ولا يرد الماء ولا علاقة

له بالإبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى