تأخير تشكيل الحكومة في لبنان: هل هناك أسباب غير مرئية؟
معن حمية
يطرح التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة اللبنانية أسئلة تتعدّى الحصص الوزارية وتمثيل هذا الطرف أو ذاك، فقياساً على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، تبدو حصص الأفرقاء غير متكافئة، في حين أنّ صيغة العشرات الثلاث التي يتحدث عنها البعض، هي مجرد مزحة سمجة، تنطوي على عملية احتيال بالغة الوضوح، تمنح فريقاً بعينه اثني عشر وزيراً!
لقد جرى الحديث عن «معايير» لتشكيل الحكومة على قاعدة لكلّ أربعة نواب ممثلٌ في الحكومة، غير أنّ هذه المعايير التي جرى إسقاطها على مسار تشكيل الحكومة، سرعان ما تهاوت عندما وصل الأمر إلى تمثيل اللقاء التشاوري المؤلف من ستة نواب، وهذا ما يؤكد وجود نيات غير صادقة ويؤكد أيضاً عدم جدية المعنيين للتسريع في تشكيل الحكومة.
وعدا عن كون «المعايير» انتهكت عندما وصلت الى نقطة تمثيل اللقاء التشاوري، فإنها من عين أصلها لا تصبّ في مصلحة البلد وتحصينه، لأنّ فلسفة المعايير هذه، تكمن في حرمان قوى أساسية وفاعلة من حقها أن تكون ممثلة في الحكومة، وهذا إمعان في تقويض الحياة السياسية والوطنية، حيث إنّ أيّ حكومة لا تلحظ تمثيلاً للقوى اللاطائفية، هي حكومة تحاصص طائفي ومذهبي، ومع حكومات كهذه لا قيامة للبنان.
في المنطق السياسي الديمقراطي المعبّر عنه لبنانياً بالانتخابات، فإنّ التحالفات تنشأ في أيّ وقت، طبقاً لإرادة القوى السياسية، وليس هناك من أساس دستوري أو قانوي يمنع قيام تكتلات نيابية، وربط هذا الأمر بالانتخابات بدعة البدع، ويناقض كلّ الصيغ والمفاهيم الديمقراطية. وعليه، بات حرياً بالقوى التي تلتقي في المواقف السياسية والوطنية، أن تخطو باتجاه الإعلان عن تكتل نيابي موسّع، حتى لا يكون هناك إجحاف بحق هذا الفريق لمصلحة ذاك.
عود على بدء الأسئلة، لماذا يتأخّر تشكيل الحكومة، وهل أسبابه مرتبطة بوزير من هنا وحقيبة من هناك، أم أنّ هناك أسباباً أخرى غير مرئية؟!
ما هو واضح، من الأسباب المرئية أنّ ما يؤخر تشكيل الحكومة مرتبط بالحصص الوزارية، وأيضاً بعقلية الاستئثار المذهبي، وهذا لم يعد أمراً مقبولاً، لأنّ لبنان بأمسّ الحاجة الى حكومة تتحمّل مسؤولياتها في تسيير أمور الدولة ورعاية شؤون الناس، خصوصاً في ظلّ التحديات الاقتصادية المتعدّدة الأوجه والتي باتت تنذر بعواقب سلبية تهدّد الواقع المعيشي والاجتماعي الذي يثقل كاهل الناس ويضعهم على حافة الفقر والعوز.
أما في الجانب غير المرئي، والذي يظهر في تصريحات ومواقف المسؤولين من كلّ الاتجاهات، فإنّ هناك عاملاً أو عوامل خارجية تمنع تشكيل الحكومة، وهذا ما يستوجب بحثاً عميقاً عن استهدافات الخارج من وراء منع ولادة الحكومة، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يصرّح به المسؤولون في لبنان!
هنا لا بدّ أن نتوقف ملياً، ونفتش عن مصلحة الخارج من بقاء لبنان بلا حكومة تتخذ القرارات. وما هي علاقة هذا الخارج بالتصعيد «الإسرائيلي» من خلال التهديدات والاختراقات المتواصلة للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً؟ وما إذا كان هذا الخارج يريد لبنان منصة لمواصلة حربه ضدّ سورية.. قصف إسرائيلي على مناطق سورية انطلاقاً من الأجواء اللبنانية نموذجاً ؟
في خطاب بعض القوى المنضوية في ما يسمّى فريق 14 آذار، هناك لهجة متصاعدة ضدّ سورية، وظهر هذا الأمر جلياً عشية وبعد انعقاد القمة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت، خلافاً لما سبق القمة من مبادرات عربية تجاه سورية، وهذا إنْ دلّ على شيء إنما يدلّ على أنّ ثمة كلمة سرّ خارجية تتعدّى النطاق العربي، أكدتها زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل للبنان…!
في المحصلة، لبنان لا يحتمل وزر أن يكون منصة تستخدم ضدّ سورية، كما أنه لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي في ظلّ تصاعد العدوانية «الإسرائيلية»، فهو يمتلك عناصر القوة للردع، بثلاثيته الذهبية «جيش وشعب ومقاومة». لذا فإنّ مصلحة الخارج معدومة في أن يكون لبنان منصة رسائل عدوانية، فلماذا زجّه في هذا الموقع؟
ما هو مؤكد أنّ هناك خططاً خارجية بديلة تستهدف سورية والمنطقة، وجولات وزير الخارجية الأميركي ومساعديه على المنطقة والإقليم تؤكد ذلك، غير أنّ الثابت هو أنّ المصلحة الوطنية، تقتضي الإسراع في تشكيل الحكومة وفق معايير وطنية، وما عدا ذلك تواطؤ ضدّ مصلحة لبنان واللبنانيين.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي