«داعش» و«النصرة» تتفقان في سورية… هذا يعني؟
روزانا رمّال
تقول مصادر صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية أنّ تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» عقدا اتفاقاً يقضي بتوقفهما عن القتال في ما بينهما، وتوحيد صفوفهما في بعض مناطق شمال سورية، وذلك خلال اجتماع استغرق 4 ساعات في مدينة الاتارب غربي حلب، بتاريخ 2 شهر تشرين الثاني الحالي.
اكثر من هذا، تقول الصحيفة «انّ داعش عرض إرسال مقاتلين لمساعدة النصرة في الهجوم الذي شنته الأسبوع الماضي ضدّ مقاتلي حركة «حزم» المدعومة من الولايات المتحدة قرب خان السنبل شمالي سورية.»
في الواقع… انه عندما تقوم إحدى فرق الجيوش العسكرية بدعم مجموعة أخرى، أو جيش آخر من بلد حليف، وتشكيل إسناد له او تزويده بما ينقصه، فهي بالتالي تشير الى ضعف تلك المجموعة او حاجتها إلى المساعدة، وتشير إلى التوحد نحو نفس الهدف والتوجه نحو نفس الخندق.
هذا في المنطق العسكري… أما إذا كان الحديث هو عن توحد جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» فإن الأمر يتطلب التوقف عنده لكثرة أبعاده ومؤشراته بما يمثلونه في خطوط الصراع.
هذه المجموعات التي احتلت حيّزاً رئيسياً من أحداث الشرق الأوسط ابتداء من عام 2011 حتى اليوم، وغيّرت مصير منطقة برمّتها، وأعادت خلط الأوراق السياسية والاستراتيجية لدى عواصم القرار الكبرى، وأاصبحت قوى أمر واقع حقيقية تمركزت على جزء مهم من أراضي دولتين عربيتين شديدتي الأهمية في عمر صراعات المنطقة و استراتيجيتها كسورية والعراق، لا يمكن لها أن تتوجه نحو هكذا قرار منفردة من دون أن يكون قراراً جزئياً من أصل مشهد كلي أو عام ومرتبط ارتباطاً وثيقاً بتشعّباته.
عند القول «مجموعات استخبارية» يعني بدون شك انها مجموعات تدار او مشغّلة من دول تتقن جيداً إدارة الحروب، وهي ليست جديدة عليها، لا بل هي دون شك دول قوية لها باع طويل في التعاطي مع هذه المجموعات واستثمارها لتنفيذ هجمات محدودة او واسعة النطاق او عمليات هادفة تتراوح بين «انكفاء وصعود».
مشهد الانكفاء والصعود هذا فيه دلالة على صحة القول في هذه المجموعات انها «موسمية» و بالسياسة «مصلحية»، بدليل ما أقدم عليه رأس المجموعات او المجموعة «الأم» تنظيم «القاعدة» في نيويورك في أحداث 11 أيلول، وانكفائها إلى وقت طويل ثم عملياتها المتعدّدة في اوروبا، ومن ثم انكفائها وصولاً الى الشرق الاوسط، وتحديداً إلى لبنان كأحد الامثلة الحديثة الذي استهدفته تلك المجموعات استهدافاً مباشراً بسلسلة تفجيرات متقنة صوّبت على رموز البلاد وأبرزها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ومجموعة شخصيات لبنانية رفيعة المستوى لتعود وتنكفئ من جديد.
كلّ هذا أكد أنّ حراك هذه المجموعات وعملياتها لم يكن يوماً جديداً أو وليد لحظة أو فكرة، بل هو مدروس ومضبوط ومسيطر عليه بدليل التصاعد والانكفاء الملحوظ.
باتفاق «داعش» و»النصرة» في شمال سورية يصبح الحديث أوسع وأشمل يطاول المتغيّرات التي تدور على الساحة السياسية الدولية، ويؤكد انّ شيئاً كبيراً يُحضّر ليبصر النور وأنّ مرحلة جديدة باتت أقرب بكثير.
بين الحديث عن الدعم التركي ـ القطري لـ»داعش» والحديث عن الدعم «الاسرائيلي» ـ التركي ـ القطري ـ السعودي المشترك لجبهة «النصرة» تتقاطع المصالح الاميركية الغربية وتتمايل الهوامش وتتحرك وفقها وليس وفق اي شيء آخر، وإنْ خرجت بعض الأمور عن السيطرة بسبب عقيدة القتال المتطرفة التي تغذي ميول تلك المجموعات.
معروف الخلاف بين ابو بكر البغدادي وايمن الظواهري، ومعروف أيضاً أنّ مجموعتيهما قاتلتا بعضهما بعضاً في سورية بلا دون هوادة، وبالتالي ما هو المستجدّ الذي يمكن من خلاله الاجتماع لأربع ساعات ومناقشته للخروج بقرار وقف الاشتباك؟
هل هو التوحّد أمام الحلف الدولي؟ ام انّ الأمر يأتي تماشياً مع محاولات توحيد صفوف المقاتلين في سورية لتسهيل الفرز والمفاوضات؟
الأكيد انّ هناك لاعباً كبيراً يدير المشهد… كما أداره باحتراف منذ احداث 11 أيلول، وبالتالي ترجمة الاتفاق بين «داعش» و»النصرة» وإشاراته وارتباطاته بالسياسة، أكد أنّ الميدان وحده كلمة الفصل، وأنّ أحداً من الداعين الى الحوار لم يستغن يوماً عن الحشد في الميدان الا عندما استنفدت الفرص، واستنفادها هذه المرة جاء على يد الجيش السوري الذي بث جواً يقول بوجوب لملمة الأوراق وفرزها لتنقشع الرؤية عند خصومه، والتوجه كأمر واقع الى التفاوض، وهنا لا يهمّ نوع أو فكر أو درجة خطورة اي مجموعة من تلك المجموعات.