اعتقال مرضية هاشمي.. العدالة في ميزان مزاجية السياسة

سعد الله الخليل

أحد عشر يوماً قضتها مذيعة قناة PRESS TV الإيرانية الناطقة بالإنجليزية مرضية هاشمي في الاعتقال دون توجيه أيّ تهمة لها، ما يرسم صورة لواقع التعاطي الأميركي مع مَن يعتقد أنه يشكل خطراً على أمنه القومي الشديد الحساسية لكلّ رأي لا يتطابق مع التوجهات الأميركية، ولو بالخطوط العريضة لسياسات سيد البيت الأبيض الذي يدير سياسات بلده وفق ما يمليه مزاجه السيّئ الذي لا يمكن التكهّن به. هكذا وبكلّ بساطة يتحوّل الشاهد متهماً بما يخالف أبسط القواعد القانونية في بلدان تقبع في سلم احترام حقوق الإنسان دون الولايات المتحدة بدرجات، فالمتهم يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته فكيف هو الحال بالشهود الذين تفرض القوانين حمايتهم باعتبار الشاهد عوناً للعدالة ویشارك بدوره في تحقيق العدل، بإدلائه بالمعلومات إلى السلطات المختصة فیبین مَن هو صاحب الحق. فالشاهد یؤدّي خدمة عامة بهدف تحقیق مصلحة عامة. وفي المقابل من أبسط حقوقه أن تصان له كرامته وشرفه وحمايته من كلّ خطر، وهو ما لم تفعله السلطات الأميركية التي لم توجّه لهاشمي أيّ تهمة، واكتفى قرار المحكمة الاتحادية الأميركية لدى الإفراج عنها بأنها أدلت بشهادتها كشاهد أساسي في تحقيق اتحادي، لم يكشف عنه بناء على قانون الشاهد الأساسي الذي أقرّته أميركا بعد أحداث 11 أيلول 2001، والذي يسمح للحكومة باعتقال واحتجاز شاهد إذا أثبتت أنّ شهادته أساسية في دعوى جنائية، وأنها لا تضمن حضوره بناء على أمر استدعاء لتصبح مرضية هاشمي الإيرانية الأميركية المولد ميلاني فرانكلين سابقاً واحدة من مئات الآلاف المعرّضين للاعتقال والاستجواب وفق المعايير الأميركية، دونما أية ضوابط واضحة أو تشريعات تضمن حقوق المعتقلين الشهود.

إلقاء السلطات الأميركية القبض على هاشمي أثناء زيارتها أخيها المريض في ظروف أقلّ ما يمكن وصفها بغير طبيعية، يفتح الباب أمام تساؤلات وتفسيرات عدة تحتمل كلّ أشكال التأويل ما بين الحرب الأميركية المفتوحة، في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب على طهران صولاً إلى سعي واشنطن لكسب أكبر قدر ممكن من أوراق الضغط على إيران، وهو ما يحمل في طياته مخاوف من أن تمتدّ القائمة لتطول أسماء أخرى قد تطالها اليد الأميركية حول العالم، خاصة أنّ هاشمي الأميركية الأصل اعتقلت في واشنطن في ظروف غامضة ورفضت السلطات الأميركية الإدلاء بأيّ تصريح حول الاعتقال، بدأ من مكتب التحقيق الفدرالي أف بي آي إلى المتحدث باسم مطار سانت لويس جيف ليا حيث أوقفت وهي على وشك الصعود على متن رحلة جوية من سانت لويس إلى دنفر الذي رفض تقديم أيّ توضيح، مطالباً بتقديم الأسئلة الى مكتب التحقيقات الفدرالي الذي يبدو أنه أدخل القضية في خانة الاعتقال السياسي لكونه جاء دون تواصل مسبق مع هاشمي والتي تتعرّض للمضايقات بشكل منتظم أثناء رحلاتها، وتخضع لجلسات استجواب من السلطات الأميركية تمتدّ لساعات بحسب تصريحات نجلها الأكبر حسين هاشمي، فيما يضيف التكتم الأميركي على القضية فرضية الاستثمار السياسي لقضية الاعتقال.

ربّما من حق الولايات المتحدة تطبيق القوانين التي تضعها على أراضيها كيفما تشاء وبالطريقة التي تريد، إلا أنّ التحقير بالموقوفين الشهود والتعاطي بازدراء لإنسانيتهم أولاً ولمقامهم وفق القانون الأميركي ذاته كشهود لا يمتّ لأيّ قوانين ولا أعراف تدّعي الحفاظ عليها، فحين تجبر هاشمي على خلع حجابها وتقدّم لها ملابس ذات أكمام قصيرة وطعام لا يحتوي سوى لحم الخنزير من دون أيّ خيارات أخرى حتى الخبز، ونتيجة لذلك لم تأكل سوى بعض البسكويت منذ اعتقالها، فإنّ في ذلك احتقاراً للقيم الأميركية ذاتها التي تدّعي احترام حقوق الإنسان وحق الاختلاف قبل الإساءة لقيم ومبادئ الشهود أنفسهم الذين يجدون أنفسهم تحت السطوة الأميركية.

عادت مرضية هاشمي إلى طهران وسط استقبال رسمي وشعبي وإعلامي حاشد في مطار الإمام الخميني، مؤكدة أنها انتصار للعدالة وهزيمة للولايات المتحدة التي أرادت تحقير مرضية هاشمي من خلال اعتقالها وإهانتها، لكن أميركا فتحت الأبواب لتحقير ذاتها آلاف المرات.

فطيُّ ملف هاشمي سيفتح آلاف الملفات ربّما اليوم أو غداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى