نحن «مش هيك»…!
عبير حمدان
يُعتبر التلفزيون وسيلة ترفيهية لمن لا يملك المقدرة المادية لمواكب الوسائل الترفيهية كافة خارج إطار المنزل. ففي الماضي كانت القنوات محدودة أي قبيل الانفتاح الكبير الذي طرأ على هذا العالم وبات لكل فئة محطتها التلفزيونية. هذا على صعيد محلي، أما على صعيد المنطقة برمتها فلم يعد بإمكاننا حصر عدد الفضائيات المنتشرة والمتنامية من دون أي دراسة علمية ومنطقية لما تطرحه للمشاهد، وهذا بحث يطول ويستدعي منا التروي والتمعن في هذه الظواهر كي لا يتم اتهامنا بالعبثية في الطرح والنقاش.
إذاً سنبقى ضمن الدائرة المحلية وفورة البرامج التي يحلو لمن ينتجها ويطلقها بوصفها أنها «برامج اجتماعية» تسلّط الضوء على حالة موجودة في المجتمع ويجب أن يتم إنصافها، من دون البحث في ماهية هذا الإنصاف وطبيعة تلك الحالات، وحتى من دون أي سعي لتقديم رأي علمي محدّد حولها أو العمل على معالجتها إذا ما كانت تتطلب العلاج والنقاش في الأسباب التي أدت بها إلى درك يتطلب الإنصاف..
نحن لا ننكر أن المجتمع لديه الكــثير من الشوائب ومن الصعب أن يكون هناك مجتمع كامــل وفاضل ذلك أن التركيبة البشرية مفطورة على الخطأ، ولكن هل يجوز أن يصبح الخطأ أو الشــواذ حالة عامة ومادة متلفــزة معلقة على شماعة «الحرية» في التعبير وبسلاح السلطة الرابعة التي من المفــترض أن تكون بالدرجة الأولى مهنية في طروحاتــها، وأين المهنــية في تظهــير النماذج الشاذة والسماح لها بالإعــلان عن حقها «الطبيعي» بشواذها الذي لا يقبله أي منطق اجتــماعي وأخلاقي؟!
من المعيب جداً أن يسهم جزء من الإعلام في تدمير المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية مهللاً لنصرٍ قضــائي أقل ما يمكــن وصفــه بأنه «مشبوه» وغير مدرك إلى أين يمكن أن يصل به قراره المستعجل لناحية تشــويه العقول وتهميش الثقافة وقتل الأعراف، وهل القانون يسمح بالاعتداء على الذوق العام بذريعة انتفاء صفة الادعاء؟
وهل بات الإعلام منصة للتسابق على الابتذال وترويج كل ما يمكن من الانحطاط بهدف رفع نسبة المشاهدة، وبالتالي جذب المعلنين لتحقيق الربح على حساب القيم؟ ومن قال إنه إذا كانت هناك نماذج شاذة في المجتمع علينا أن نفتح لها الهواء لترسّخ وجودها وتبرره دون حسيب أو رقيب، لا بل ويفرض علينا من يستضيفها أن نقبل هذا «الاختلاف» لأنه بكل بساطة «هيك» بمعنى أن نقــبل التعرّي والرقص الرخيص والمساكنة ومن قرّر التحول جنسياً ومَن اختار أن يكــون شاذاً واللائحة تطول، مع مجاهرة المضــيف لكل هؤلاء بأنــه لن يقبل بأن يتعدى أي أحد على «حريته الإعلامية» التي تسمح له برفع الســقف وطرح ما يعتــبره «ظواهر اجتماعية».
قد يدعونا البعض إلى تغيير المحطة إن لم تعجبنا المادة المتلفزة التي تقدمها، ولكن من موقعنا المسؤول عن صون القيّم الاجتماعية والاخلاقية يجب أن لا نكتفي بكبسة زر تنقلنا إلى هواء إعلامي أكثر اتزاناً بل يتحتم علينا أن نقول لهؤلاء احترموا انفسكم قبل أي شيء آخر ونحن «مش هيك» ولن نكون يوماً مجتمعاً يسهل تطويعه تارة بالأفكار الهدامة وطوراً بالإسفاف والانحطاط، لكم رؤيتكم الاستهلاكية والربحية، ولنا ثقافتنا البنيوية والرافضة لما تروّجونه والمواجهة للغزو الآتي على صهوة «الحرية» التي تدّعونها.