ذوو الاحتياجات الخاصة بين التأهيل والأيديولوجيات الواهنة

رنا صادق

ما دامت الحياة تدور وتتجدّد مع تطور العقل البشري والسلوكيات الاجتماعية لدى الأفراد لا بدّ من تغيير المنظمات الفكرية والأيديولوجيات البالية والمجحفّة التي وُضعت للعديد من المفاهيم الحياتية التي تنبثق عن التفرقة والتمييز على أساس العرق، اللون، الجنس، الصفة، الدين والوضع الاجتماعي والصحي والعقلي وتفاوتها بين الناس. اذ ما أردنا النظر في عمق مشاكل القضايا العالم فهي ترتبط بصورة أو بأخرى بهذه الصفات المذكورة أعلاه. هذه الصفات التي تسمو على قمة السلوكيات الإنسانية ما إن اتسعت بؤرتها وعُمل بها على أساسا الحرية دون التمييز، والاحترام دون الفرض، والعدالة بدل الظلم والتستبداد، لما كانت اليوم المجتمعات تعاني من 50 في المئة أو أكثر مما تعانيه.

اذن، المنظومة القائمة بحدّ ذاتها اليوم في العالم، خصيصاً منطقة «الشرق الأوسط»، التي تنحدر من أصول قمعية وبالية لا تحترم بالصفة الأولى مفهوم الإنسانية وكل ما ينبثق عنها من مفاهيم، ومن أهمّ المفاهيم المحقّة التي باتت تدلّ على تطوّر المنهجية العقلية لمجتمع ما، نسبة التحصيل في تدريب إمكانيات ذوي الاحتياجات الخاصة من التوحدّ، شلل دماغي إلى من يعانون من متلازمة داون وغيرها.

من هنا، اختارت «البناء» التعرّف على أبرز الاحتياجات لمن يعانون من متلازمة داون وشلل وكيفية دمجهم في المجتمع من خلال مراكز تأهيل خاصة بهم، تتيح لهم الفرصة في تحقيق أنفسهم في مجالات متعددة تتفاوت نسبتها في ما بينهم حسب الحالات. وجالت «البناء» في مجمع «قرية الكفاءات» الذي يُعنى بتأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة على اختلافهم. هذا المجمع يتيح الفرصة أمام الشباب الذين يعانون من أيّ نوع من أنواع الأمراض وتساعدهم على تطوير قواهم العقلية والبنوية وتحسين وضعهم العام النفسي والسيكولوجي عبر مشاغل محمية يتعلم خلالها الشباب حرفة أو مهنة تمكّنهم من ممارستها في المستقبل بشكل طبيعي، وبذلك يكونوا قد أنتجوا وعملوا وحققوا أنفسهم.

المشاغل المحميّة الخاصة في تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة

في التفاصيل، يضمّ مجمع «قرية الكفاءات» مجموعة المشاغل المحميّة تتقسم ما بين المشاغل الحرفية الصناعية والغذائية، يوزّع الطلاب عليها حسب قدارتهم، ويأتي الهدف من هذه المشاغل هو وضع أقدامهم على سلم النجاح في اثبات ذاتهم وتحقيق القدرة على التطور والوصول نحو الأفضل في الإنتاج. وهذه المشاغل تضم: مشغل طباعة النماذج، مشغل تصميم الورق، مشغل تصنيع الورق، مشغل الطباعة، مشغل الشمع، مشغل السجاد، مشغل الخشب، مشغل السيراميك، مشغل الموزاييك، مشغل اللباد، مشغل القشّ، مشغل الاكسسوار، مشغل الصابون.

مهن حرفية وصناعية

مشغل المكوى، مشغل الخياطة، مشغل الجبنة واللبنة، مشغل التشيبس، المطبخ، الفرن، السناك، الرسم، المسرح.

ولا بدّ من التركيز على أبرز المهارات التي يقوم بها الطلاب في المشاغل، منها مشغل الرسم الذي يدخل ضمن النشاطات اليومية المهمة في المركز وضمن الساعات اليومية من برنامج محدد. كما يدخل الرسم في عدد من المنتوجات الحرفية مثل السيراميك والموزاييك وطباعة النماذج.

أما المسرح، الذي له الحصة الأهم في تأهيل الشباب ورعايتهم نفسياً واجتماعياً، له نشاطات متنوعة قد حققت الكثير في سلوك الطلاب وساعدت في اندماجهم وتطور ثقتهم بأنفسهم وبناء شخصيتهم، هذا ما ساهم به بشكل أو بآخر، العلاج الموسيقي الذي يسعى من خلال الموسيقى إلى اخراج كل ما يخفيه الشباب في الداخل وينعكس على سلوكهم. وقد تمكّن الشباب المسرح من إنتاج أعمال مسرحية هادفة وتركت

بصمة لدى كل من شاهدهم وأنشأوا فرقة مسرحية وموسيقية «نجوم الكفاءات»، وهم: علي عباس، نقولا مراد، سكينة مقدم، حسين يعقوب، كارين عقيقي، زياد عيتاني، هدى زكور، لميس حجازي، عمر فخر الدين، حبيب شعيتو، منير الحاج، يامن خليل، حسن نصر الله كل منهم تميز ببراعة وقدرة على المسرح من ناحية حفظ الدور والإلقاء والتفاعل مع الجمهور.

بالانتقال إلى مشغل آخر، لا بد من الإشارة إلى المدربين الذين يتابعون في كلّ مشغل نشاط الطلاب ويعمدون على مساعدتهم في تطوير ذواتهم، أما مشغل الشيبس فهو من المشاغل الصناعية الغذائية التي يتميز بتقديمه منتوج صحي وطبيعي مئة في المئة وانتاجه يومي كي يلبي احتياجات كافيتريا القرية أو السناك وطلبيات المراكز الأخرى، وفي هذا المشغل يقوم الطلاب باتباع مراحل التصنيع بدقة، من غسل البطاطس إلى عملية التعبئة في أكياس وتحضيرها للتوزيع. أمّا في مشغل الخشب وهو من الحرف الصناعية الفنية حيث يتبع الطلاب مراحل العمل على نحو خاص بداية من مرحلة حفّ الخشب بورق خشن ثم وضع المعجون على الثقوب، بعدها يقوموا بعملية الدهن لعدة مرات للوصول للنتيجة المطلوبة وإنتاج الكراسي والطاولات.

تجدر الإشارة أن الطلاب يعملون هذه الفترة على إنتاج صناعات خاصة لعرضها في معرض خاص بعيد الميلاد كالمغارات الخشبية أو الورقية، وأشكال السيراميك بحلة عيد الميلاد، والزجاج المزخرف بالموزاييك وغيرها.

بالحديث مع المسؤولة التربوية عن المشاغل المحميّة في القرية «دانيال ناصيف» تقول: مشاغل القرية المحمية وورشة العمل اليومية هما أكبر النماذج الحيّة لمجتمع متطور راقي يحتضن كل أبنائه بصرف النظر عن اختلافاتهم. هنا المختلفون مميزون يقيمون يزرعون ويحصدون يعملون وينتجون، يأخذون حقّهم في الرعاية ويعطون كل ما هو جميل، يفرحون لكل جديد من انتاجهم.

أهم الأسس للعلاج الانشغالي

العلاج الانشغالي هو مهنة في الحقل الطبي الحليف تعنى بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بهدف تحصيل الحدّ الأقصى من الاستقلالية في الحياة اليومية. يستفيد من العلاج الانشغالي كلّ شخص يواجه صعوبة على صعيد المهارات الحركية، الذهنية، الحسّية والاستقلالية.

تأهيل وتدريب. . ومستقبل أفضل

وتقول الأخصائية في العلاج الانشغالي في المركز «دعاء المقداد» أنها تتبع خطوات دقيقة للمعالجة وهي مقابلة الشخص وأهله من أجل جمع المعلومات، تقييم قدراته وتحديد الصعوبات، تحديد الأهداف القريبة والبعيدة المدى، ثم أقترح مساعدات تقنية مناسبة خاصة مثلاً بالتنقل، الأكل والعمل ضمن أي مشغل والنظافة الشخصية. كما أقوم بتعديل المحيط من ممرات، مكان العمل.

وتضيف: «أعطي النصائح والتوجيهات اللازمة للمعلمات داخل المشاغل، وتدريب الطلاب على استخدام الأدوات من الناحية الحركية، بعد فترة معينة من تواجد الطالب في المشغل أقوم بتقييم ومواكبة تحسّته، وعرض النتائج ومناقشتها مع الفريق الطبي والأخصائيين».

الاضطرابات السلوكية والنفسية وحلولها

تشير المعالجة النفسية في مركز «قرية الكفاءات» رولا نخلة إلى أن المعالجة النفسية تندرج ضمن أساسيات المتابعة التأهيلية لمن يعانون من احتياجات خاصة، وذلك تواجه مشاكل عديدة من أكثرها اضطرابات السلوك منها فرط الحركة والعدائية، التي تصنّف من أكثر المشاكل ظهوراً وتفاقماً لأنها تؤثر على المجموعة ككل.

وتقول رولا العنداري: نعمد في هذه الحالة على الحوار والتشاور ونظام التوبة والعقاب والثواب، وتحديد القوانين من خلال توجيه الطلاب إلى السلوك الحسن الذي يقابله مبدأ الثواب والعكس، يعزز ذلك لديهم الشعور بالسعادة والراحة.

وتضيف: في المركز شرائح متعددة مقسّمة حسب الأعمار، تفاوت الحالات والتقدم الذهني والعقلي، ولكل شريحة أسلوب معين في المعالجة النفسية لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وبالمحيط حولهم. وأشير إلى أن الهدف الأساسا من المعالجة النفسية هو هذه الثقة المنبثقة عن حسن المعاملة والضبط. وللأهل دور الشريك في هذه العملية، حيث نعمد في المؤسسة إلى المتابعة مع الأهل لتأمين جوّ في المنزل مؤاتي، ومن خلال الإصغاء لأبنائهم وإعطائهم دور في المنزل ونوع من الاستقلالية والانخراط في المجتمع.

الموسيقى والرقص

تقول مسؤولة العلاج الموسيقي والمسرحي في المركز «رولا العنداري» أن الإعاقة ليست مأسة تراجيدية، وليس بالضرورة أن ننهار ونكتئب ونشعر بالخيبة والإحباط اذا ضمت أسرتنا بين أفرادها شخصاً مختلفاً عنا، بل علينا النظر إليها نظرة ثانية، نظرة تحدي للذات، تحدي

كلّ منهم لديه قدرة فريدة

للمجتمع المتخلّف ببعض أفكاره الجاهلة وقدرة استيعابه للواقع. قدرات ناقصة لا تعني ضعف، بل أحياناً تكون قوة خارقة صعبة التصديق. هناك من ينظر إليهم على أنهم ناقصون، على أنهم وباء، على أنهم متخلّفون، على أنهم غرباء ، على أنهم ضعفاء.. وفي المقابل ثمة من يراهم نعمة من السماء، مكمّلأين لنقص فيهم وفي مجتمعهم، نور البيت وبركة أينما وجدوا..

وتضيف «رولا العنداري»: هناك اختلاف بين العائلات والأهل في التعامل، فمنهم من يتعامل معهم على أنهم ضعفاء وهو في الحقيقة ضعف في تقبّل الواقع، ضعف في التعامل معه، تخازي، تعامي، استسلام، فكلّما كانت العلاقة ذوي الاحتياجات الخاصة وأهلهم ومحيطهم سليمة، كلما وجدنا عندهم قوة للتحدّي، كلما وجدنا ان أقدامهم ثبتت على أرض آمنة وصلبة.

وتتابع: بدأت بإعطاء الشباب دروس في الموسيقى والغناء والرقص لإفراغ ما في داخلهم، ومع الوقت لاحظت مواهبهم التي يمكن استغلالها في نجاحات أكثر، لذلك بدأت بتدريبهم على إعادة تمثيل المسرحيات. وفعلاً نجحوا في ذلك وكانت آخر أعمالهم أداء مسرحية «هلق وقتا» لجورج خبّاز على مسرح الشاتو تراينو، شاهدها حوالي 600 مشاهد. كما شارك الشباب مكنذ مدّة في حلقة برنامج «حسابك عنّا» مع المقدّم وسام حنّا، هذه النشاطات وغيرها نسعى إلى تأمينها للشباب لتحفيز قدراتهم وينعموا بحياة أفضل ومستقبل واعد.

مجمع «قرية الكفاءات» في أسطر

مجمع «قرية الكفاءات» تابع لـ»مؤسسة ء » التي تأسّست عام 1957، سّسها الثنائي ثهم إيماناً منهم شخص مصاب أو يعاني من أي تحدٍّ جسدي عقلي مالي أو اجتماعي. تقدّم اليوم 12 برنامجاً ياً ياً لما يفوق 4 آلاف شخص موزعين على المراكز السبع التابعة للمؤسسة.

المؤسسة حائزة على « » . تعمل المؤسسة بالتعاون مع تي كة مع «الكفاءات» منذ تأسسيها.

رسم، وزخرفة وتزيين

مجمع «قرية الكفاءات» يقدّم العناية والرعاية والتربية المختصة لأولاد وراشدين متوحدين، في وحدات فريدة في لبنان تعمل تبعاً لأنظمة متخصصة، ويفتح المجالات المتعددة للشباب والشابات المعوقين ذهنياً وحالات الشلل الدماغي، للعمل في مشاغل صناعية وحرفية مجهزة بالمعدات المتطورة كي يتمكنوا لاحقاً العمل خارج المؤسسة أو داخلها. المؤسسة والتي تقوم على تقويم طاقات الشباب الإنتاجية، والاطلاع على حاجات المجتمع الاستهلاكية. ومنها، توزّع المهمّات الإنتاجية على أطفال وشباب القرية بحسب مهاراتهم، لخلق عملية إنتاجية متكاملة تعود بالربح على المنتجين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى