الممثل المسرحي جوزيف آصاف لـ«البناء»: المسرح يضيء على واقع نعيشه ليحثنا على الضحك والبكاء… الدراما اللبنانية لا تقنعني بسبب غياب الإنتاج القوي وأزمة النصوص
حاورته ـ عبير حمدان
يرى الممثل المسرحي جوزيف آصاف أن هناك أزمة نص بالإضافة إلى ضعف في الإنتاج مما يجعل الأعمال الدرامية نسخة تكرّر ذاتها ولا تقارب الواقع أو تحاكيه في ما تطرحه.
يأمل آصاف أن يتغيّر الواقع الذي نعيشه في بلد أنهكه التعب بسبب أداء سياسييه، معتبراً أن أي طرح مسرحي جاد يضيء على المشاكل التي يعيشها المجتمع علّ ذلك يسهم في تغييره نحو الأفضل، وبالتالي التعلم من الأخطاء المتمثلة بالتبعية والتصفيق لمن لا يستحق.
يؤكد آصاف أن مسرح جورج خبّاز واقعي بشكل كبير ويخاطب كافة شرائح المجتمع، لذلك حقق النجاح ولم يزل مستمراً كمحطة سنوية ثابتة لكل الأجيال.
لم يدرس آصاف التمثيل لكنه لا يجد نفسه إلا على خشبة المسرح وهو الذي عمل مع الراحل منصور الرحباني على مدى أعوام قبل أن يبدأ رحلته مع خباز والتي من الصعب تحديد مشهدها الأخير طالما لديهما الكثير لقوله ومناقشته.
نبدأ من احتمال أن يتغير شيء وفق الرؤية المسرحية، ليؤكد آصاف أنه لم يتغير شيء، فيقول: «عنوان المسرحية «إلا إذا تغير شيء» وفي الحقيقة لم يتغير أي شيء في واقعنا الذي نعيشه منذ زمن ربما لم نعد نذكره، في الماضي حين كان هناك تقاتل وخطوط تماس لا أظن أن الناس في الجهتين أرادوا هذا الواقع الذي عاشوه، المشكلة في السياسيين الذين أنهكوا هذا البلد ولم يتوقفوا عن ممارستهم سواء في السلم أو الحرب، والمشكلة تكرّر ذاتها وللأسف هناك من يصفّق لهم، نحن ناس نعيش مع بعضنا البعض بعيداً عن الحسابات السياسية التي لا تخدم إلا من يوقد الأزمات ويساهم في نشر منطق التفرقة بين الشعب الواحد. وانا لا أصفق لهؤلاء السياسيين. لم أفعل ذلك يوماً ولن أفعله الآن».
لكن هل يصلح المسرح ما تفسده السياسة وأهلها، يقول آصاف: «لا يمكن للمسرح أن يصلح ما تفسده السياسة. إنما هو يضيء على واقع قائم ولو بإطار كوميدي يحث المشاهد على الضحك، لكن حين يفكّر من يرتاده بتفاصيل الحوارات قد يبكي لاحقاً على الحالة التي بلغناها».
ونسأل آصاف عن صورة لبنان الذي عرفناه على خشبة مسرح الرحابنة وأغنياتهم التي غابت عن أرض الواقع، فيقول: لبنان الرحابنة هو لبنان الكمال الذي يعيش في الأغنية، إنه لبنان بهيئة «سقراط» لكنه ليس موجوداً على أرض الواقع، والسبب معلوم من الجميع، ربما يجب على الناس التعلم من الأخطاء كي يتحقق ولو جزء من هذه الصورة التي جسّدها المسرح الرحباني وغناها بكل ما فيها من روعة».
وفي ما يتصل بمسرح جورج خباز ومدى واقعيته، يقول آصاف: «لبنان الحقيقي موجود في مسرح جورج خباز والناس التي تأتي وتشهد ما نقدّمه تدرك ذلك، نحن نقدّم لهم يومياتهم وتفاصيلها وكيف يعيشونها، على أمل أن يعرفوا كيفية معالجة وجعهم ومواجهة واقعهم. والحل لا يكون بأن نهجر بلدنا بل بالسعي للتغيير وإذا جهد كل فرد منا أن يبدأ التغيير من ذاته وفي أسلوب حياته وتربية أولاده ومكافحة الخطأ والقول لمن يصل إلى السلطة إنه لا يخدمنا بل يسرق ما ليس له حق فيه، أو بالأحرى حين نعرف كيف نختار ممثلينا ونمنح ثقتنا لمن هو جدير بها ربما سنحقق التغيير المرجو، علينا أن نأخذ موقفاً فعلياً. أنا على سبيل المثال وضعت ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع كنوع من تسجيل موقف قد لا يشكل موقفي فارقاً، ولكني قمت بما أنا مقتنع به، قلت لهم إني أحترم هذا الاستحقاق لكنني لن امنح صوتي لأحد».
وفي ما يتصل بالعمل المسرحي الحالي بما فيه من رسائل حول التعايش يقول آصاف: «العمل يقدم صورة لهذا النسيج الاجتماعي الموجود ومدى تأثير الواقع الطائفي على طبيعته، وبرأيي المشكلة الفعلية تبدأ بأسلوب التربية التي يجب أن تشكل القاعدة الأساس للبنيان الاجتماعي، لعل خطوط التماس موجودة في العقول ولو بشكل جزئي، ولكن هناك من يرفضها وبقوة وأنا من هؤلاء الذين يرفضون هذه السواتر الترابية التي فصلت ما بين اللبنانيين لفترة طويلة».
آصاف الذي كان يمتهن العزف قبل البدء بالعمل المسرحي يختصر مسيرته بالقول إنه شارك في بعض الأعمال الدرامية ولكنه لا يجد نفسه إلا على خشبة المسرح.
وحين نسأله عن رأيه بالدراما اللبنانية من موقع المشاهد وليس الممثل، يجيب: «بصراحة لا تقنعني كثيراً، وقد أتابع بداية عمل ما إذا ما أخبروني أنه يستحق المشاهدة، ولكن مع الوقت أجد نفسي خارج إطار المتابعة، ولعل مشكلة الدراما غياب الإنتاج القوي وأزمة النصوص التي لا ترتقي إلى مستوى العمل الدرامي المتكامل، والمؤسف أن معظم النصوص فارغة المضمون والحوارات مكرّرة».
وعن اقتباس القصص وتحويل اعمال أجنبية إلى مسلسلات درامية، يقول آصاف: «المؤسف أننا حين نقتبس لا نقدّم العمل بصورة مقنعة بل إنه يأتي مشوّهاً ولا أريد إطلاق الأحكام بالمطلق، ولكن الأجدى أن نقدم مادة تشبهنا، كتابة أي مسلسل يجب أن تكون مدروسة لناحية الشخصيات والتفاصيل والخطوط الدرامية وصولاً إلى النهاية المقنعة والمنطقية».
وننتقل إلى محور يرتبط بالنجومية وكيفية ترجمتها، فيقول: «في هذا البلد كي يبلغ أحدهم النجومية قد يطيح بكل من هم حوله ويتسلّق السلم على حسابهم، ولكن هذا لا ينفي وجود نجوم حقيقيين ولو كانوا قلة، وهناك مَن يعتمد على منطق التجريح كنوع من الدعاية السهلة للوصول وهؤلاء متطفلون على المهنة. في المقابل النجومية لها شروطها وأبرزها أن يمتلك الموهبة والطاقات الكاملة والاحتراف وقد يخونه الحظ او لا يجد الفرصة التي تنصفه».
أما إلى أي مدى يلعب الإعلام دوراً إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخ نجومية فنان ما، يقول آصاف: «الاعلام يلعب دوراً كبيراً في الترويج للنجوم ذلك، لأن الصورة المتلفزة تدخل الى كل البيوت، أما في ما يتصل بوسائل التواصل الاجتماعي التي يراها الكثيرون بعين إيجابية، من جهتي ارى فيها الجانب السلبي ذلك أن ليس كل ما نراه حقيقياً، فهي عالم افتراضي وعلى من يتأثر بها أن يفهم هذا الأمر».
ونسأل آصاف عن إمكانية توريث الموهبة الفنية من الآباء إلى الابناء، فيقول: «الموهبة لا تورّث، فإما أن تكون فطرية أو لا تكون، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك أفضل أن لا نتكلم عنها».
وعن الخيط الفاصل بين المسرح الكوميدي الذي يقدم رسالة والمسرح الذي يعتمد النكات المبتذلة يقول: «المسألة ترتبط بأسلوب الطرح، النكتة الذكية التي تحترم عقول الناس وتحمل بين طياتها رسالة تستحضر الضحكة وفي الوقت نفسه تحفز على البكاء والدليل مسرح زياد الرحباني الذي قال كلمته لتبقى فكرة راسخة في عقل المشاهد، أما النكتة المبتذلة والرخيصة فلا تعيش طويلاً، والمسرح الذي تشيرين إليه يعتمد صنّاعه على بروباغندا دعائية إلا أني اؤكد لك أن من يحضره مرة لا يعيد الكرة».
وبالعودة إلى الدراما يُخبرنا آصاف أنه يتابع الدراما السورية، وشيء من التركية غير المدبلجة، مشيراً إلى أنه ضد المسلسل الطويل الذي يبعث على الملل، مشيراً أن الدراما السورية نجحت في الوصول إلى الناس لأن الانتاج مدعوم وقوي، والممثلين بارعون والنص جيد ذلك لأن السوريين عندهم كتّاب دراما فعليون.
أما عن رأيه بالسينما اللبنانية يعتبر آصاف أنها عبارة عن حلقة من مسلسل درامي ولكن على مدى ساعتين، ويقول: «لا أعتبر أن السينما اللبنانية حققت الكثير، ما أراه عبارة عن حلقة تلفزيونية تم تطويل مدة عرضها من 45 دقيقة إلى ساعة ونصف ليُقال إنها فيلم سينمائي، برأيي البداية المشرقة للسينما اللبنانية شهدناها الآن مع نادين لبكي لناحية الإضاءة والإخراج والنص وكل التفاصيل التي تصنع فيلماً سينمائياً».
ويختم آصاف أنه يكون هناك جزء ثالث للمسرحية ويتمنى أن يكون هناك نقد بنّاء حول أي عمل فني، مشيراً إلى أنه يأخذ بالنقد ولو لم يكن من يجاهر به موضوعياً على قاعدة احترام وجهات النظر، ويجزم أن الأمل موجود رغم كل شيء مؤكداً أنه شخص مسالم إلى أقصى الحدود ويحب أن يخدم الناس ضمن إمكانياته ومن كل قلبه.