«ناتو لاتيني» بقيادة «رياض حجاب» فنزويلي!
د. وفيق إبراهيم
يمتلك الأميركيون «وصفة جاهزة» لتفجير الاوضاع في الدول المناوئة لهيمنتهم انما يجب على هذه البلدان المصابة بالنقمة الاميركية ان تحوز على ثروات اقتصادية ضخمة او موقع استراتيجي معتبر.
ومن المفضل بالنسبة للاميركيين وجود الهدفين معاً، فهذا يُعجل بوضع «وصفتهم» على نار حامية.
فنزويلا هدف مثالي للبيت الابيض يكفي انها تجمع بين الموقع الهام على بحار اميركا اللاتينية ولها مساحة تزيد عن مليون كيلومتر مربع مع عديد سكان يصل ثلاثين مليون نسمة الى جانب احتياطات نفطية هي الأولى في العالم وتسبق المملكة العربية السعودية وثروات تعدينية بما فيها كميات هائلة من الذهب وغابات ومياه وأراض زراعية.
مشكلة فنزويلا ليست اقتصادية وإنما في منعها من وضع مواردها في خدمة الفنزويليين، ولهذا الامر اسباب سياسية.
بعضه الاساسي يرتبط بالهيمنة التاريخية الدائمة لواشنطن على مجمل اميركا اللاتينية وتحكمها الكبير بحركة تفاعلاتها السياسية والاقتصادية حتى اصبح كل ما يجري في هذه المنطقة خاضعاً لموافقات اميركية مسبقة، حاولت البرازيل مؤخراً وهي اكبر بلد في هذه المنطقة التحرك المستقل ما استدعى على الفور ردعاً استخبارياً اميركياً عاجلاً سهل إسقاط النظام والمساهمة في إنجاح رئيس آخر يوالي الاميركيين.
فنزويلا خرجت عن هذا السياق الاميركي وتبنت نهج القائد الكبير سيمون بوليفار الذي حارب الاستعمار الاسباني لاميركا اللاتينية.
وبما أن واشنطن هي الوريثة الاقوى للاسبان في هذا الجزء الاستراتيجي، فكان من الطبيعي ان لا تقبل بحكم هيوغو شافيز المناهض لها في فنزويلا.
حاولت اسقاطه اكثر من مرة بأساليب مخابراتية ولم تنجح، شجعت الكثير من المعارضات الداخلية وفشلت، لكنها اسهمت في تدهور العلاقات الاقتصادية بين فنزويلا وجوارها، ما ادى الى تدهور اقتصادي بدأ في عهد شافيز.
استمر خلفه الرئيس مادورو في مناهضة الاميركيين منفتحاً على روسيا والصين وكوبا وبوليفيا والمكسيك وإيران مشكلاً الخط الاول «جغرافياً» في ازعاج الأميركيين ومحرضاً اميركا اللاتينية على التحرر من هذا الاستعمار الوبيلي وبانياً علاقات مع محور المقاومة من سورية الى إيران.
بالمقابل بدأت الوصفة الاميركية في سياقها الطبيعي: البحث عن شخصيات فنزويلية معارضة وتحريضها على قاعدة وعود بأن الولايات المتحدة الاميركية بتصرفها، أليس هذا ما قالوه لرياض حجاب رئيس وزراء سورية الذي هرب من دمشق مقابل وعود بعودته رئيساً لها بالإضافة الى خمسين مليون دولار مكافأة خليجية له على حسن التصرف.
هي فنزويلا ايضاً وجد الاميركيون «رياض حجاب» جديداً هو رئيس مجلس النواب غوايدو الذي اختبأ عند حدود بلاده مع كولومبيا الموالية الى حدود الارتهان لواشنطن، مبتدئاً بإطلاق تصريحات تدعو الفنزويليين الى اطاحة مادورو متحدثاً باسم معارضات بالملايين، كما يزعم.
من جهة ثانية واصل الاميركيون سياسات الخنق الاقتصادي لفنزويلا حتى انهم منعوها من تصدير نفطها إلا بكميات لا تصل الى عُشر ما تصدره السعودية التي تبيع 11.3 مليون برميل مقابل مليون ومئتين الف برميل لفنزويلا هناك دول لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة كالكويت والإمارات تبيع نفطاً اكثر من فنزويلا بثلاث مرات على الاقل وربما خمس مرات.
هذا ما تسبب بمعاناة اقتصادية ادت الى نزوح ملايين الفنزويليين الى بلدان مجاورة.
وذلك بسبب معادلة صنعتها واشنطن وتقوم على التالي: تعلن ولاءك للاميركيين او يجري خنقك اقتصادياً وهي معادلة مضحكة لانها تؤدي في كلا الخيارين الى الخنق. فالاستسلام للاميركيين لا يعني إلا وضع مقدرات البلاد في خدمتهم، كما يحدث في البلاد العربية.
وهذا يستولد بالضرورة احتمالاً ثالثاً ضرورياً وهو مقاومة الاميركيين لإنقاذ السكان من الاستعباد والتجهيل وحماية ثروات فنزويلا وهي مطمورة في باطن الارض أليس هذا افضل من سرقتها من قبل الامبراطورية الأميركية؟ لم يتقبل الرئيس مادورو ان يكون رياض حجاب سورية مصراً على ولائه لكل من البوليفار اللاتيني ذي الاصول الفنزويلية وشافيز الذي قاوم الاميركيين بشراسة، لكنه لم يتمكن من النجاة من مرض سرطان اصابه وقتله؟
لذلك فإن ثروات فنزويلا والتزامها بالخط التحرري البوليفاري وعلاقاتها بروسيا والصين وإيران، لهي من الاسباب المركزية التي دفعت حكام واشنطن الى الاستعجال بإسقاط مادورو.
يمكن ايضاً ربط هذه الاسباب بتراجع الاميركيين في الميدان السوري ونجاح روسيا في فتح علاقات مع محاور واسعة في الشرق الاوسط واميركا اللاتينية.
اما سياق الوصفة الاميركية فانتقل من تحضير رياض حجاب فنزويلي الى تحشيد إعلامي غير مسبوق يستهدف نظام مادورو الى جانب تأسيس مرصد فنزويلي وتصوير المعارضات تلفزيونياً وكأنها تحكم الشارع في لقطات من الخلف تشبه تلك اللقطات في الشارع السوري مع تعميم خطابات وقرارات لزعيم معارضة مفترضة مختبئ هو غوايدو للإيهام بأنه الرئيس الفعلي.
التحشيد الثالث هو دفع الدول الموالية لاميركا للاعتراف بغوايدو رئيساً، اليس هذا ما فعلته اميركا عندما امرت بطرد سورية من الجامعة العربية وأمرت الدول الموالية لها الاعتراف بالمعارضة السورية…
وكما امر الاميركيون تركيا والسعودية والخليج بتسليح المعارضات الارهابية وتمويلها ونقلها من حدود تركيا والاردن الى الداخل السوري، تحضر المخابرات الاميركية بدورها لتسليح وتمويل نازحين فنزويليين عند الحدود الكولومبية الفنزويلية لنقلهم الى الداخل.
ولإضفاء شرعية اضافية تستعجل واشنطن تحضير مؤتمر لدول اميركا اللاتينية يعلن تأييد المعارضة المسلحة ودعمها بكل السبل وتحويلها ناتو لاتينياً.
فهل تتعرض فنزويلا لحرب اهلية؟ اوروبا مترددة ومنقسمة، لكن روسيا لن تتردد في استعمال كل امكاناتها للدفاع عن صديقها مادورو مدخلها الى اميركا اللاتينية وكما ارسلت قبل شهر «بجعاتها البيضاء» وهي طائرات حربية غير مسبوقة في الإمكانات الحربية والحداثة الى فنزويلا فلن تتأخر في دعمها سياسياً وعسكرياً ما يُتيح للصين أداء دور مشابه.
المعتقد اذاً ان موسكو قد تكتفي بالتسليح والدعم اذا اقتصرت الحرب الداخلية على المعارضة الداخلية، لكنها لن تبقى على هذا الوضع إذا لجأ الاميركيون الى عدوان عسكري مباشر على فنزويلا، متوارياً خلف دول لاتينية أو بشكل مباشر، فعندها تصبح آفاق الحرب على فنزويلا مفتوحة على تدخل روسي مباشر، مما يدفع الأميركيين الى «التبصر والتروي» ومنع رئيسهم ترامب من الدفع نحو حرب عالمية كبيرة مجهولة النتائج.
مَن ينتصر في فنزويلا؟ إنه شعبها الذي يتظاهر بمئات الآلاف مؤيداً سيمون بوليفار الجديد في صراعه مع المستعمرين.