الأمر الخارجي حكومة بمهمة وحيدة!!
د. وفيق إبراهيم
ليس من قبل المصادفة أن تتلقى الحكومة الجديدة هجمات حادة وفي التوقيت نفسه، من الأميركيين والإسرائيليين و»حزبي القوات اللبنانية» و»الاشتراكي» الذي يتزعّمه الوزير السابق وليد جنبلاط.
التقاطع الحرفي في مواضيع الاستهداف يكشف عن عمق التنسيق بين المهاجمين، والبارز في هذا السياق رفضهم أي تنسيق مع سورية وإصرارهم على بقاء النازحين في لبنان لاعتبارات «أخلاقية» من جهة وتخوفاً من تصفيتهم في سورية من جهة ثانية.
وباستثناء جنبلاط الذي اكتفى بمهاجمة حزب الله عبر تصويب حادّ على حلفائه، في الداخل شنّت «إسرائيل» ووزارة الخارجية الأميركية انتقادات لاذعة على الدور الحكومي لحزب الله، وحذرت من استخدام حقائبه الوزارية لتأمين تمويل له، أو لشنّ عمليات إرهابية.
يتبين أن هناك ممنوعات أميركية ـ إسرائيلية عبّر عنها فريقان لبنانيان بأشكال مختلفة تحظر على حكومة الحريري مقاربتها على أي مستوى، إلا بعد مشاورة المهاجمين، أما حكاية الأسباب الداخلية عند «القوات» و»الاشتراكي» فليست إلا الوسيلة «البسيطة» للتعمية على التبعية للخارج الى حدود الاستتباع كالجواري والعبيد.
لتأكيد هذه الحقيقة، لماذا لا يعترف سمير جعجع بأنه كان على علم بالتشكيلة الحكومية قبل إعلانها بساعات، فلماذا ارتضى بالمشاركة فيها؟ وكان على دراية تامة بالحقائب التي نالها كل من حزب الله وحركة أمل والأمير طلال والتيار الوطني الحر؟ فلماذا تصّور «القوات» نفسها «بالمتفاجئة»؟ أو كالمصدومة من حدث طارئ لم تكن تتوقعه؟
و»قوات جعجع» تعرف أيضاً ان حزب الله يحارب إسرائيل والإرهاب بسلاح عزيز على معظم اللبنانيين والإقليم، وكان موجوداً قبل تشكيل الحكومة، فهل اكتشفته بعد تشكيل الحكومة مباشرة.
فلو كانت صادقة مع ما تؤمن به، لما رضيت بالاشتراك في حكومة تعمد إلى مهاجمته بعد ساعات فقط على تشكيلها وفق معطيات معروفة مسبقاً.
لجهة الوزير جنبلاط، فالأمر مشابه تماماً كان على بينة بأن التشكيلة تضمّ وزيراً يمثل المير طلال، ويبدو أنه فوجئ بقرابة هذا الوزير لشيخ عقل الطائفة الدرزية غير المحسوب عليه الغريب، فجنّ جنونه لأن هذا التمثيل أصاب نفوذه مرتين سياسية مع الأمير طلال ودينية مع الشيخ الغريب، فاندفع مهاجماً ومستحضراً عناوين فولكلورية وتحشيدية، كقوله إن هناك نفوذاً سورياً في هذا الحكومة محذراً من عودة العلاقات الطبيعية مع دمشق ومتمسكاً بالنازحين السوريين في لبنان وربما في الأردن وتركيا. لم يقترب من سلاح حزب الله مباشرة بل مواربة، عبر تسليط هجمات حادة على تحالفات الحزب في الداخل والخارج.
لكنه احتفظ بهامش علاقات طبيعية بعدم تعرّضه للدور الإيراني، أما رفضه لتحويل ضابط في شرطة الآداب متهم بتغطية شبكات دعارة فهي أكثر من فضيحة قد تزيد من حجم تغطيته العلنية لمتهم من أنصاره ألقى قنبلة عند الفجر على محطة الجديد لعرضها برنامجاً اعتبره مسيئاً للقيادات الدينية في طائفته.
هذا عن الجانب الداخلي، المرتكز على أسباب لبنانية «ملفقة» تؤدي في النهاية الى ما يريده الأميركيون والإسرائيليون.
هؤلاء يريدون تشكيل حكومة تمنع الانهيار الاقتصادي بالحدود الدنيا من دون أن يكون مسموحاً لها التقدم عن الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية في لبنان.
لذلك يشجعون على التعامل مع نتائج مؤتمر سيدر وأخذ مبلغ 11 مليار دولار من الديون والهبات وإنفاقها بما يؤدي الى منع الانهيار فقط وانتظار التطورات السياسية والعسكرية في الإقليم. ولهذا الطلب آلياته الداخلية التقليدية عبر تعزيز النقاط التي تكبح فرص تحسين الأوضاع في لبنان.
فإذا كان الفساد السياسي سبباً في التراجع الاقتصادي اللبناني، فإن رفض التطبيع مع سورية يؤدي بدوره إلى عرقلة العلاقات الاقتصادية بين البلدين وعدم استعمال الحدود المشتركة بينهما لتطوير وضع الاقتصاد اللبناني.
وهناك أيضاً مسألة النازحين، هؤلاء يتمسك بهم حزبا جعجع وجنبلاط لاعتبارات أميركية فقط، وهما يعلمان أن ملايين السوريين عادوا الى وطنهم ولم تقتل دولتهم منهم أحداً.. عادوا معزّزين ومدعومين من دولتهم، لكن جنبلاط يبدو هنا أداة طيعة للبروباغندا الأميركية التي ترفض عودة الاستقرار الاجتماعي الى سورية.
بالنسبة لحزب جعجع فإن مقارباته لسلاح حزب الله تشابه بشكل كامل مع هجمات رئيس وزراء الكيان الغاصب نتنياهو. فالطرفان يطالبان بتجريد الحزب منه، فهل هذه مصادفة في المضمون والتوقيت أيضاً؟
إن هذه الهجمات الداخلية والخارجية تؤكد ان أمر العمليات الأميركي بخصوص حكومة لبنان صدر، ويريد حكومة معادية لسورية وحزب الله وإيران، مع حقها بمعالجة نسبية للاقتصاد بشكل لا تنفجر فيه الأوضاع في البلاد، ولا تزدهر، فتبقى تحت رحمة الضغط الأميركي ـ الإسرائيلي ـ السعودي. بانتظار مفردات قمة وارسو العربية ـ الإسرائيلية بإشراف أميركي، فهل يمكن بناء لبنان بمثل هذه الأحزاب التي تعتبر أن المصالح الخاصة لقياداتها أكثر أهمية من مصالح الأوطان؟