لولا السادس من شباط

ناصر قنديل

– ثمة أيام في تاريخ الشعوب تتحوّل تاريخاً ملهماً، وذكرى تستحق الإحياء لما يرتبط بها من تحولات، لكن نادراً ما يحتوي يوم واحد في تاريخين مختلفين ما احتواه يوم السادس من شباط، في عامي 1984 و2006، وفي المرتين يصحّ فيه القول، لولا السادس من شباط لما كنا هنا، ومخطئ من يعتقد أن الثاني كان ممكناً بدون الأول، أو مًن يعتقد أن الأول يحقق وصاياه وأهدافه بدون الثاني، ومخطئ أكثر من يتوهم أو يحب أن يعتقد أنه يمكن وضع أحد التاريخين بوجه الآخر.

– ببساطة شديدة، وقد كان لي شرف المساهمة المتواضعة في التاريخين، السادس من شباط 1984 هو تاريخ الانتفاضة التي أسقطت عهد الهيمنة الأميركية على لبنان وتوجها رحيل المارينز، وأنتجت إسقاط العصر الإسرائيلي بإطاحة اتفاق السابع عشر من أيار، وربطت بيروت بالجنوب، وبيروت بدمشق، فتنفّست المقاومة هواءها العربي وتمددت واشتد عودها، وصارت هي بتلك القوة التي صنعت التحرير تلو التحرير بفرض الانسحاب من صيدا في أيامها الأولى، وتلاه الانسحاب من الزهراني وصولاً إلى أطراف الشريط الحدودي المحتل منذ العام 1978، وهناك كان تفاهم نيسان وولادة قوة الدرع، والتأسيس للتحرير في العام 2000 والنصر التاريخي في تموز 2006.

– المقاومة التي تعملقت في السادس من شباط 1984 هي المقاومة التي شاركت بصناعة السادس من شباط 2006 القائم على معادلتي الوحدة الوطنية وحفظ المقاومة، وهما الوصيتان اللتان رسم أفقهما السادس من شباط بنسخته الأولى، التي وضعت المدماك الأساس لاتفاق الطائف، عبر مسلسل التسويات الذي بدأ بتفاهمات جنيف ولوزان عام 1984 ومر بالاتفاق الثلاثي عام 1985 لتكون النهاية باتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب وفتح طريق السلم الأهلي وإعادة بناء الدولة.

– لمن يهمهم التحدث بالأسماء والتفاصيل، من المهم التذكير أن انتفاضة السادس من شباط 1984 أسست لإعادة النظر بدور الجيش اللبناني، الذي حوله نظام الهيمنة الأميركية والسيطرة الإسرائيلية جزءاً من الحرب الأهلية، فكانت إعادة توحيده بقيادة العميد ميشال عون آنذاك بتعيينه قائداً للجيش بإقتراح من الوزير نبيه بري آنذاك، وهو العماد ميشال عون الذي كان المرشح الأبرز على مفكرة الوزير نبيه بري في نهاية الثمانينيات في مقابل مشروع التمديد للرئيس أمين الجميل يومها.

– في السادس من شباط 2006 التقت المقاومة بشحص الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مع التيار الشعبي المسيحي الأبرز بقيادة العماد ميشال عون، فقطع الطريق على حصار المقاومة، وسقطت مشاريع الفتن الأهلية، وجاءت حرب تموز 2006 مصداقاً على صوابية الخيار وعظيم الإنجاز، ولا تزال، حيث تحقق ما فات انتفاضة السادس من شباط بغياب الشريك المسيحي الذي يمنحها صفة الثورة المكتملة، فبقيت ثورة لم تنته، حتى جاء السادس من شباط 2006 لإكمال ما بشرت به ودعت إليه، من وحدة.

– معنى التكامل بين المحطتين اللتين تحتلان اليوم ذاته في السادس من شباط، ليس في في كون إحداهما تتمة للأخرى فقط، بل في إدراك أطراف المعادلة التي ترتبط بهذا اليوم بالحاجة للتكامل بدلاً من التنافس بين المحطتين، فيدرك قادة وجمهور التيار الوطني الحر أن ما أنجزوه مع حزب الله في 2006 تأسّس في الإنجاز الذي قاده الرئيس نبيه بري عام 1984، ويدرك قادة وجمهور حركة أمل أن ما أنجزوه في عام 1984 توّجه إنجاز حزب الله مع التيار الوطني الحر في 2006 وجاءت حرب تموز لتظهر عمق معناه، ويدرك الفريقان أن ارتباط كل منهما من طرف بعلاقة لا فكاك فيها مع حزب الله يلزمهما بالتساؤل عن المعنى من البقاء بالمناداة بصيغة حليف الحليف، بينما تحويل الثنائيتين إلى ثلاثية يفتح مساراً تاريخياً جديداً لسادس من شباط ثالث تتكامل فيه معاني التحرير والعلاقة بسورية وحفظ المقاومة والإصلاح والتغيير.

– من موقعي المتواضع وبحدود ما أعلم أقول اللهم أشهد أني قد بلغت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى