إيران بعد أربعين عاماً على الثورة… ماذا عن الإنجازات والتحديات؟
هشام الهبيشان
يحتفل الإيرانيون في شهر شباط من كلّ عام، بذكرى قيام وانطلاق وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، ومن يتابع مسار السياسة الخارجية والداخلية لإيران منذ أربعين عاماً، أيّ منذ أن أضاء الشعب الإيراني شعلة ثورته وإسقاطه نظام الشاه الفاسد الذي رسّخ تبعيّة الدولة الإيرانية للغرب لعقود طويلة، يُدرك أنّ الشهر نفسه من العام 1979 شكّل علامة فارقة في تاريخ الشعب الإيراني، وأعاد تشكيل وبناء وعيه الذي ظلّ لعقود قابعاً تحت حكم جائر، إلى أن جاءت ثورة الإمام الراحل الخميني لتخلّصه من ذلك النظام.
اليوم، وبعد مرور أربعين عاماً، نتلمّس بوضوح مدى حكمة ومنهجية عمل الثورة الإيرانية، وقد استطاعت إيران أن تبني نفسها من جديد بعيداً من التبعية للغرب، رغم حجم العقوبات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي فرضها عليها الغرب في محاولة لإخضاعها.
ورغم ثقل حجم الضغوطات الأميركية على طهران، إلّا أنّ مسيرة البناء والإعمار والتعليم وتنمية القطاعات الزراعية والصناعية وتطويرها والبحث العلمي مستمرة في كلّ أنحاء البلاد، فقد دارت عجلة الاقتصاد داخل الدولة بشكلٍ متسارع لتحقّق طفرة كبيرة في العقدين الأخيرين، رغم استمرار الإنفاق المالي كما هو، كما نمت نسبة المشاريع غير النفطية في الدولة بنسبة تجاوزت 36 ، وتوسّعت مشاريع تطوير البنية التحتية بشكلٍ كبير، وقد زادت نسبة الاستثمارات الإيرانية الداخلية والخارجية في قطّاعات مختلفة.
ورغم أنّ الحرب الاقتصادية الأخيرة التي تشنّها أميركا ومعها دول إقليمية وعربية، «حرب النفط» ومحاولة منع تصدير النفط الإيراني للخارج، قد أضرّت بشكل واضح ببعض القطاعات الاقتصادية والمالية الإيرانية، إلّا أنّ المؤشرات الاقتصادية لعام 2019 تؤكّد أنّ الدولة الإيرانية قادرة على التكيّف مع المتغيّرات الجديدة، رغم محاولات الإدارة الأميركية «إدارة ترامب» إخضاع إيران بكلّ الوسائل، ما يؤكّد قدرة طهران على تجاوز هذه المرحلة بثبات.
اليوم وعلى الصعيد العلمي، تبوّأت إيران المرتبة السادسة عشرة عالمياً في الإنتاج العلمي في عامي 2017 و 2018، بإنتاج 50.253 و 53.831 مقالة علمية على التوالي. فيما نما عدد الأوراق البحثية والبيانات العلمية من عام 2017 إلى عام 2018 نحو 5 على مستوى العالم، وهذا ما بات يثير ويقضّ مضاجع كلّ أعداء إيران «الثورة».
سياسياً وأمنياً، يعلم جميع المتابعين أنّ إيران تعرّضت منذ العام 1979، ولا تزال، لمجموعة مخططات ومشاريع خارجية تمثّلت في حرب الخليج الأولى المباشرة عليها، وتضرّرها بشكل شبه مباشر من تداعيات حرب الخليج الثانية، كما حاولت بعض هذه المخططات إثارة الفوضى في الداخل الإيراني من خلال تحريك بعض القوى المعارضة، والتي ركب الغرب موجها، وكانت هذه المخططات تستهدف ضرب الاستقرار والأمن، لكن إيران «الثورة»، تمكنت من وأد هذه المخططات وإفشالها، بأقلّ الخسائر الممكنة، وفي الإطار نفسه، استطاعت أن ترسم إطاراً عادلاً لمسار الإصلاح المستقبلي.
أمّا من الناحية العسكرية، من الواضح للجميع حجم القوة العسكرية التي يملكها الإيرانيون، والتي ظهرت بشكل واضح مؤخّراً، بعد انطلاق مجموعة مناورات عسكرية بحرية وبرية وجوية كبيرة حملت اسم «اقتدار 97» و»الولاية – بنسخها المختلفة «وقبلها مناورة «الرسول الأعظم بنسخها المختلفة»، بالإضافة إلى مناورات أخرى جرت أواخر العام الماضي في جنوب شرقي البلاد وبحر عُمان ومضيق هرمز حتى خليج عدن، والتي اختبر خلالها الجيش الإيراني أنواعاً من الصواريخ والطائرات من دون طيار، والتي شارك فيها الآلاف من الجنود، وامتدّت على مساحة ما بين 3 مليون كلم مربع و2.2 مليون كلم مربع، وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها إطلاق مناورات بهذا الحجم، ما يُثبت تطوّر القدرات العسكرية الإيرانية.
إقليمياً ودولياً، يلاحظ المتابع لمسار الفوضى التي تعيشها دول الإقليم، مدى الحكمة التي تتمتّع بها القيادة الإيرانية التي استطاعت أن تنأى بنفسها، نوعاً ما، عن الانزلاق في فوضى الإقليم، من خلال اتّباعها سياسة واضحة في التعاطي مع كلّ أزماته، كما كانت لها نظرة شمولية عقلانية لمسار الحلول، في خصوص ملفّي سورية واليمن، وبذلك استطاعت حكمة وسياسة ودبلوماسية الإيرانيين بناء وتأطير دور بارز على الساحتين الدولية والإقليمية.
ومع حجم الإنجازات التي حقّقها الإيرانيون منذ العام 1979 في مختلف القطاعات، لا بدّ أن تبرز مجموعة من التحدّيات أمام الدولة الإيرانية، فقد احتفل الإيرانيون بذكرى انطلاق ثورتهم هذا العام وسط ظروف اقتصادية صعبة نوعاً ما، عاشتها طهران ولا تزال، بسبب «حرب النفط وتداعياتها، بالتزامن مع انطلاق فصل جديد من التهديدات الأميركية لإيران، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة، كالصراع في سورية واليمن، وتهديدات الكيان الصهيوني وحلفائه العسكرية المتكرّرة، وعلاقات إيران مع بعض دول الإقليم العربي المتوترة في هذه الفترة.
هذه التحديات المذكورة عايشها الإيرانيون، وما زالوا يعيشون تداعياتها منذ أن قرّروا الخروج من تحت عباءة الغرب والتحرّر وبناء إيران الجديدة. إيران التطوّر الصناعي والعلمي والعسكري، إيران ذات القوة العسكرية والتكنولوجية الهائلة ومحور القوة في الإقليم، فطموحات الإيرانيين هذه واجهتها آلة الحلف الغربي الصهيوني – الإقليمي وحاولت هدمها على مرّ السنوات وبوسائل عديدة، من العقوبات الاقتصادية إلى التهديدات الأمنية والعسكرية إلى محاولة إثارة الفوضى في الداخل الإيراني، لكن بحكمة القيادة ووعي الشعب لخطورة ما يُحاك له منذ انتصار الثورة، خرجت إيران منتصرة.