وجهة نظر
حسين مرتضى
الرياح الجيوسياسية تهبّ الآن في المنطقة في اتجاه آخر، تقلبات سياسية على مستوى مواقف العديد من الدول العربية تجاه دمشق. هذا هو العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة. مساعٍ عديدة تبذلها دول في سياق محاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بعد أن أدركت أن الحرب التي موّلتها على البلاد، لم تضعف دمشق، وتخشى من الاعتراف بهزيمتها، على الاقل أمام شعوبها، بعد ان كشفت للعالم أجمع حقيقة الحرب الظالمة التي شنت على سورية.
العالم العربي بكل تصنيفاته يسعى للوصول إلى قلب الأسد، دمشق، بعد أن كسرت بعض الدول هذا الحصار الدبلوماسي على سورية، ما دفع بعض الدول وبالمعلومات إلى محاولة إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل 2011، وإعادة سفرائها الى العاصمة السورية، في حالة أشبه بانفصام نفسي سياسي، حيث تؤكد المعلومات أن معظم قادة الدول العربية يحاولون التواصل مع دمشق، لعودة العلاقات مقابل تمرير الشروط وإظهار أنهم ما زالوا يحتفظون ببعض النفوذ على الساحة السورية. وهذه القرقعة الدبلوماسية التي تتمّ تحت الطاولة، تؤكد أن هذه الدول بالفعل فتحت علاقات مع الدولة السورية، على مستويات مختلفة، وما يطرحه بعض الوسطاء ومبعوثون من تلك الدول، يختلف تماماً عن التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين هنا أو هناك، وإذا ما وقفنا قليلاً في الشهرين الأخيرين نرى أن التصريحات العربية النارية التي كان يتحدّث بها بعض المسؤولين العرب، اختفت وعلى رأسهم المعزول عادل الجبير وزير خارجية السعودية، وحتى بعض وزراء مجلس التعاون الخليجي ما يؤكد أن جميع تلك الدول تلقت صفعة مدوّية من صمود الشعب السوري في وجه العدوان. كل ذلك جعل دولاً عديدة تسير في هذا الركب من محاولة القفز في القطار السوري المندفع، علّها تحجز لنفسها مكاناً فيه، مع العائدين لفتح سفاراتهم في دمشق.
وبالرغم من غياب ملف العلاقات العربية السورية عن واجهة الأخبار، إلا أنه لم يغِب للحظة عن فناء الدبلوماسية واللقاءات والاجتماعات. وهذا في الواقع الدبلوماسي إجراء صحيح، ريثما تتم بلورة المواقف، خصوصاً أن دولاً كانت في رأس الحربة بالحرب المفروضة على سورية، تحاول الآن ترتيب أوراقها مع دمشق. والمعلومات تؤكد أن هناك الكثير من اللقاءات التي تُعقد والرسائل تصل إلى سورية، والذي يتحكّم بطبيعة هذه اللقاءات والرسائل، هو الجانب السوري، والذي لم يقدم أي طرح أو مبادرة. والمعلومات تقول إن هناك الكثير من المبادرات التي قدّمت من قبل هذه الدول، وعلى رأسها السعودية، والجانب السوري يتريّث ويدرس هذه المقترحات والمبادرات لعودة العلاقات الدبلوماسية.
ومنذ افتتاح معبر نصيب، بدأت تتسابق الدول للتنسيق مع الدولة السورية، من الأردن جنوباً التي قرّرت رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، الى الكويت والبحرين اللتين تجهزان لفتح سفارتيهما واستكمال التجهيزات الفنية، إلى الإمارات التي رفعت علمها وسط دمشق معلنة عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة. وشهدت دمشق في الفترة الأخيرة زيارات متبادلة بين رجال الأعمال من الإمارات وسورية، ما يعني أن الانفتاح على دمشق أصبح أمراً واقعاً ويتسع بشكل سريع، وكل تلك التطورات السياسية، تُعيد تأكيد أن دمشق حجر الرحى في المنطقة، وأن البركان الذي ينفجر في المنطقة بعد الانتصار السوري، من قرار الانسحاب الأميركي، حتى تصدّع العرش السعودي، إلى الأزمات الخانقة في الإمارات، تؤكد أن خيارات محور المقاومة كانت الأساس في تكوين الطبيعة السياسية لهذه المنطقة، وأن عودة العلاقات الدبلوماسية، هو أبعد بكثير من فتح سفارة أو عودة سفير، وترتبط بالانتصار والإنجاز الذي تحقق على الأرض، وفشل مشروع كان وهماً في سورية. وهذه اللقاءات والرسائل تؤكد انكفاء هذا المشروع والبحث يجري للملمة ما يمكن لملمته والاستدارة حسب المتغيرات التي فرضها الميدان.