رحيل الإعلامي الرفيق إدمون صعب
كثيراً ما حدّثني عنه شقيقي جورج الذي زامله طويلاً في «النهار» وكان يقول لي كم كان صادقاً وصريحاً، ومجابهاً في التزامه الحزبي.
كنت اعرف انه انتمى الى الحزب ونشط في منفذية زحلة، انما لم اكن التقيتُ به او اجتمعت، هو الصحفي الذي رحل مؤخراً: الرفيق ادمون صعب.
بتاريخ 28/01/2019، نشر الاعلامي الامين عيسى الايوبي 1 على صفحة الفايسبوك، الكلمة التالية:
« رحل الكاتب والصحفي الشجاع والمناضل القومي ادمون صعب». بعد ذلك رحت اقرأ عن رحيله في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، الى ان اطلعتُ على ما نشرته الصحفية هيام القصيفي في عدد جريدة «الاخبار» بتاريخ 28 الجاري، مما يفيد نشره كاملاً لما احتوى من معلومات جيدة تضيء على سيرة الرفيق الراحل.
انما لا اذكر اني قرأت في اي مكان عن مسؤوليات قد يكون تولاها الرفيق صعب. باستثناء ما كان قاله لي الرفيق زياد معدراني ان الرفيق الراحل كان تولى مسؤولية مذيع في مديرية المعلقة زحلة.
لذا اورد ما امكنني جمعه عنه، بانتظار ان يرد من منفذية زحلة، وخاصة ممن عرفوه في سنوات التزامه الحزبي: الامين القدوة شكيب معدراني، والرفيق المناضل خليل سماحة، ما يغني النبذة عن الرفيق الراحل.
إدمون صعب… غياب الاحتراف في زمن السذاجة
هيام القصيفي -»الاخبار» 28/01/2019
لم يغب إدمون صعب أمس الأحد. غاب فعلاً يوم جُرح في الصميم، يوم غادر الموقع الذي صنعه بنفسه لمدة 45 عاماً، وبسهره الليلي وبعمله اليومي وثقافته وحرفيته. غاب إدمون صعب يوم حل الاستسهال مكان الاحتراف وتفوّقت السذاجة على ما عداه 2 .
غاب إدمون صعب يوم لم تعد الصحافة المكتوبة خبزه اليومي والمحرك الذي جعله طوال حياته يأتي الى مكتبه في «النهار» ويجلس ساعات طوال يكتب ويقرأ ويحلّل ويصحّح ويعلّم. أسوأ أنواع رثاء إدمون صعب نوعان: أن يرثيه قليلو الوفاء، ومن يتغنى بحرفيته وهو من غير المحترفين. لأن حياة صعب كانت قائمة على هاتين النقطتين الوفاء للجريدة، فتليق به فعلاً كلمة «نذر» نفسه لها، أو كما يقول أحد الزملاء كان وفياً أكثر لغسان تويني، ولجبران تويني من بعده، وللحرفية العالية. ولهاتين الصفتين دفع ثمناً كبيراً من صحته ومن حياته ومن عمله الذي غادره مكرهاً. كان إدمون صعب أستاذاً بالمعنى الحرفي للكلمة، وصحافياً بالمعنى الحرفي أيضاً، لأنه كان يريد من أي صحافي أن يجمع بين اللغة الصافية السليمة من دون أخطاء، والحنكة والثقافة والاطلاع. حين سألته صحافية لماذا يرسلها الى أول معرض دولي للسيارات في لبنان بعد الحرب، أجابها لأن الصحافي المحقق والاستقصائي يجب أن يعرف كل شرايين البلد ومفاصله، يغطي معرضاً للسيارات كما يغطي مؤتمراً لأي رئيس أميركي. بعد ذلك يأتي الاختصاص فيكون لكل صحافي مجال عمل يتمرس فيه. يعلّم بالمعنى الدقيق، يسأل ويزيد معلومة ويعيد النص لمزيد من التدقيق، وإضافة معلومات أكثر غنى للنص. يوم كانت المقالات تكتب على الورق الأصفر، يملأ المقال تصحيحات وملاحظات ويعيدها الى الصحافي لمزيد من التأني. ما إن تصل إليه معلومة أو رسالة تضيء على موضوع ما حتى يبادر الى طلب إجراء تحقيق عنه.
يعرف الجميع في المبنى وفي المطبعة والتوزيع وفي المكتبة والجريدة. يعرف تاريخها وأسراراً كثيرة ومعلومات أكثر. يعرف خبايا الصحيفة بكل شرايينها السياسية والمالية والعائلية. كان صاحب مزاج خاص، تختلف معه وتزعل منه وتعود الى مكتبه في اليوم التالي، لكنه كان صندوق شكاوى الجميع حين تكثر الهواجس والحملات والأخطاء، ويقوم بجولاته المعتادة بين مكاتب الصحافيين ويسأل ويضحك ويتحدث مع الجميع بصوت عالٍ. لم يكن مديراً مغلِقاً الباب على نفسه وعلى الآخرين. بابه المفتوح دوماً، لكل صحافي للحوار والمعاتبة والنقاش الحاد وأخبار الجريدة والجرائد الأخرى، وكان صحافياً بالمعنى الحقيقي بكل إيجابيات المهنة وكل سيئاتها، ولهذا السبب جمع تناقضات كثيرة. شخصيته تختلف عن شخصية «المدير» فرنسوا عقل، والشاعر أنسي الحاج. لكل واحد منهم عالمه الخاص، وأدبياته وسلوكياته ويومياته. لكن ما بينهم كان اتفاقاً ضمنياً على ولاء ومهنية واحترافية وعلاقة حب مع الصحافة المكتوبة لم تضعفها التكنولوجيا ولا وسائل الإعلام الحديثة، وإن اختلفت أساليب عملهم ورؤيتهم للصحافة والجريدة.
صعب الآتي من رئاسة تحرير «المختار» من «ريدرز دايجست»، التي أغنت ثقافة جيل كامل، وكانت فخره الذي يعتز به، بمواضيعها المتنوعة المختلفة وتحقيقاتها ومقالاتها الغنية، اختزن ثقافة موسوعية. يتحدث عن مطاط الدواليب وتركيبته وأثره البيئي، عن الورق وطبيعته، عن التكنولوجيا الحديثة، كما يتحدث عن الفن والمسرحيات وعن اللوحة المعلقة فوق مكتبه والتي كانت تثير تساؤلات الناظرين إليها، وعن كتاب صادر حديثاً وهو الذي أدار دار النشر، أو عن مقال في جريدة فرنسية أو أميركية. كُتب بالعشرات، ليست للزينة، ومجلات وجرائد تتكدس فوق مكتبه، يأكل وهو يقرأ ويصحح ويتابع ويسأل ويناقش. خاصمه البعض وأحبه البعض الآخر. خاصمه البعض لمواقفه السياسية، لكنه ظل حريصاً على إبعاد هذه الخصومات عن العمل اليومي للجريدة، وظل يكتب بحرية مطلقة، فحوّل مقاله يوم الجمعة، ولو لم ينشر على الصفحة الأولى، الى زاوية ترصد، ممهورة بتوقيعه الخاص، تلك العبارة التي يستهل بها مقالته، لأديب أو شاعر أو سياسي. خاصم حلفاء الجريدة السياسيين يوم كان صاحبها حليفاً لهم. لكنه ظل محافظاً على مسافة احترام لا يخرقها. وعبّر عن موقفه السياسي لاحقاً من دون مواربة، وبجرأة صافية عاداه كثر بسببها.
يوم اغتيل جبران تويني، تعالى صعب على موت من رافقه يافعاً وشاباً ورجلاً، ومارس صحافيته، مطالباً الجميع بوقف البكاء وعدم التلهي بوفود السياسيين الذين يؤمّون الجريدة، وبالعودة الى العمل لإصدار عدد يليق بجبران تويني. يومها دفع ثمناً ما. وحين غادر «النهار»، فقد حبه الأول، ولم تكفه كتابة المقالات في «السفير» و«الأخبار»، والإطلالات التلفزيونية، والانصراف الى المؤلفات والكتب. لأن عشقه الحقيقي، عدا عائلته التي كان يتحدث عنها دوماً، هو الحرفية والتدقيق والتمحيص والانخراط في دورة الحياة اليومية للجريدة ولو الى ما بعد منتصف الليل بكثير. هو من ذلك الرعيل الذي لا يطفئ ضوء مكتبه قبل أن يطمئن الى أن لا خبر ناقصاً ولا معلومات خاطئة ولا جرائد المقلب الثاني من الكرة الأرضية تنشر خبراً لا تنشرها جريدته. أمس، غاب إدمون صعب الإنسان أولاً وآخراً. الصحافي غُيّب قسراً منذ سنوات.
نعي جريدة «النهار» للإعلامي الرفيق إدمون صعب
28 كانون الثاني 2019
« غيَّب الموت الزميل الصحافي إدمون صعب عن 79 عاما بعد صراع مع المرض، طاوياً معه حقبة مشرقة من العمل الصحافي المهني والأكاديمي، لطالما استلهم فيها رؤية «المعلّم» غسان تويني وجرأته وإقدامه. بغياب إدمون صعب، تنكسر ريشة أخرى جفّ حبرها… وتبكيه.
يحتفل بالصلاة لراحة نفسه الساعة الثالثة بعد ظهر غد الثلثاء في كاتدرائية مار مارون، كساره زحلة .
تقبل التعازي قبل الدفن وبعده، والاربعاء 30 كانون الثاني الجاري في صالون الكاتدرائية من العاشرة حتى السادسة مساء، والخميس31 منه في صالون كنيسة سانت ريتا – حرج تابت سن الفيل من الحادية عشرة قبل الظهر حتى السابعة مساء.
ونعى الفقيد وزير الاعلام ملحم الرياشي قائلاً: «برحيل ادمون صعب، يخسر الاعلام اللبناني علما فذّا من إعلامه، وفارسا من فرسان الصحافة المكتوبة، امتاز بالجرأة والعمق وصلابة الموقف والرأي الهادف، وكان الأستاذ الكبير في الصحف التي عمل فيها، وبخاصة صحيفة «النهار» التي رافقها حوالى 45 سنة متولياً فيها مسؤوليات أساسية، وفي المحاضرات الجامعية والمؤتمرات المتخصصة حيث نشّأ بأفكاره وخبرته وعصاميته أفواجا من الإعلاميين الذين انتسبوا مهنيا الى أسلوبه ومدرسته وشكلوا علامات فارقة في المؤسسات التي عملوا فيها داخل لبنان وخارجه.
إدمون صعب واحد من الذين قدّسوا الصحافة وآمنوا بانها والحرية صنوان، لذلك قد تختلف معه بالرأي إلا انه لا يمكن إلا ان تحترم قلمه. يرحل ادمون صعب ونحن في غمرة العمل على تحسين أوضاع الإعلاميين بعد تعديلنا نظام نقابة المحررين لتأمين التعاضد والتعاقد والتقاعد وشيخوخة كريمة تليق بهم وبجهدهم، لكن قلب ادمون صعب توقف فيما المشروع لا يزال متوقفاً في أدراج مجلس الوزراء.
تعازيَّ القلبية الى أسرته الكريمة والى الإعلاميين اللبنانيين، وعزاؤنا أن أقلام الكبار كالسيوف لا تنكسر وحبر كلماتهم لا يجف».
نقابة المحررين
كذلك نعته نقابة المحررين «فمضى الى ملاقاة ربه بعدما أتم سعيه وجاهد الجهاد الحسن، مفسحا لنفسه مكانا ومكانة بين كبار أثروا الصحافة والإعلام بعطائهم ومهنيتهم، وكانوا مدرسة، بل جامعة خرّجت العديد ممن سطعوا في دنيا المهنة، وهم يدينون له بالعرفان: من «النهار» و»السفير» و»الأخبار»، والقسم العربي في مجلة «ريدر دايجست – المختار» والتعليم الجامعي في كلية الإعلام، فـ»الروابي» الزحلية، الى مئات المحاضرات والورشات. رحلة طويلة وشاقة قطعها الراحل الكبير الذي تميز بصراحته واندفاعه ووطنيته، وقد عبّر عنها بوضوح وصدق وأسلوب مباشر ينفذ الى العقول والقلوب من دون استئذان».
وقال نقيب المحررين جوزف القصيفي: «بألم كبير وحزن لا يوصف تلقّى الجسم الصحافي والإعلامي نبأ غياب الزميل إدمون صعب فارس الحضور في الإستحقاقات الصعبة، وصاحب الكلمة الحرة يطلقها مدوية من دون أن يخشى أعتى السلاطين جورا. كان الأستاذ القدوة لأجيال من الصحافيين والإعلاميين، والوطني الملتزم قضايا لبنانه، والصوت الصارخ في وجه الظلم والفساد والمفسدين. وبغياب إدمون صعب تنطوي صفحة من الزمن الجميل يوم كان للصحافة دورها وألقها ودويها ومساهمتها في صناعة الرأي العام.
فيا أيها الراحل الكبير، العائد لترقد الرقاد الاخير في تربة زحلة التي تستعد لاحتضان فتاها بعد طول طواف، نم قرير العين. والتعازي نسوقها باسم النقابة التي اليها انتسبت وفيها ناضلت، وباسم الزملاء الاعلاميين في لبنان وديار الإنتشار، إلى العائلة والمحبين. رحمك الله قدر ما تستحق».
هوامش:
عيسى الايوبي: اعلامي معروف مقيم في باريس. والده الرفيق وجيه الايوبي، شقيق لرفقاء ورفيقات من بينهم الامين احمد الايوبي والرفيقة الشاعرة الراحلة مي الايوبي.
في تلك الفترة ايضاً فصل شقيقي الاعلامي والكاتب جورج ناصيف من «النهار» في تصرف اقل ما يقال عنه انه ظالم ومعيب.