المختارة وهاجس الإلغاء قوى تتآكل على الساحة اللبنانية
حسين مرتضى
في لبنان الذي انطلق فيه القطار الحكومي، بالرغم من كلّ العقبات التي تواجهه، لم تختف حالات التراشق الإعلامي، والتي شكلت تصدّعات سياسية وجعلت من الغيوم ملبّدة في سماء المختارة، بالتزامن مع المزايدات المعتادة في إطار البيان الوزاري التي بدت طبيعية، ففي لبنان لا إمكانية للاتفاق على كلّ شيء سياسي، حيث يمرّ البلد بمرحلة سياسية دقيقة، انعكست على كافة الفرقاء السياسيين، ليُعاد تشكيل تحالفات جديدة كسرت الجليد، فعدو أمس غدا صديق اليوم، والمصالحات مستمرّة أبرزها المصالحة بين النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب، ناهيك عن التقارب بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، وفي ظلّ هذا الحراك بدأ النائب السابق وليد جنبلاط يتفرّد بمواقف وتغريدات بعيدة عن سرب التوافق.
كلما شعرت أطراف فريق 14 اذار، بانخفاض مستوى الالتفاف الشعبي حولهم، خرجوا على الجمهور بنظريات جديدة، تتحدث عن حصار هنا، ومؤامرة هناك، ويبدأ التراشق الإعلامي، الذي افتتحه الرئيس سعد الحريري مع النائب السابق وليد جنبلاط، لتدخل بعدها أكثر من وساطة للتهدئة، أسفرت عن هدنة بين تيار المستقبل والحزب التقدمي، بعد حديث من أوساط سياسية في الحزب التقدمي على أنّ جنبلاط يشعر أنّ ثمة حملة ممهنجة ضدّه، من ملف تشكيل الحكومة، الى ملفات عدة تخصّ الجبل، وهنا تدخل الأميركي على الخط، وكانت السفيرة الأميركية أليزابيت ريتشارد أوّل من حاول الاطمئنان على امتعاض رئيس «التقدمي» عبر وزير الصناعة وائل أبو فاعور، الذي نفذ حملة اتصالات واسعة بسفراء مصر والسعودية وفرنسا، واضعاً إياهم في أجواء «الحصار المفترض»، فخرجت للعلن قضية توزير الوزير صالح الغريب والوزير غسان عطا الله، اللذين خطفا وزارتين حساستين بالنسبة للحزب الاشتراكي، لتنتهي الجولة التي يقودها الحزب الديمقراطي، أنّ سورية تقود هذا الحصار ضدّه.
بدوره انطلق رئيس حزب القوات سمير جعحع بحمل راية الدفاع عن النائب السابق جنبلاط موضحاً في لقاء تلفزيوني أنّ وليد جنبلاط يشعر بأنه محاصر سياسياً عبر مسألة التوزير الأخيرة إضافة لقضية المدعو الضابط في قوى الأمن الداخلي وائل ملاعب، والذي استدعته النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون على خلفية ادّعاء أحد الموقوفين بدفع رشى لعدد من ضباط قوى الأمن الداخلي، القضية التي اندلعت بسببها أزمة بين النائب السابق وليد جنبلاط والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، بعدما منع جنبلاط المدير العام من توقيف الضابط المحسوب عليه رغم وجود شبهات حول تورّطه في قضايا فساد، وحتى بعد لقاء الحريري وجنبلاط، على مأدبة عشاء، لم يخبر الحريري جنبلاط بأنّ تشكيل الحكومة سيكون في اليوم الذي يليه، دليل على أنّ الهدنة التي تحدثنا عنها لم تكن على جميع جبهات اشتباك قوى الرابع عشر من أذار، واللافت في الامر أنّ جميع أفراد هذا الفريق، يعرفون حق المعرفة، أنهم هم من تخلوا عن حلفائهم في أكثر من معضلة سياسية، وأنّ من حمى جنبلاط في أكثر من موقف ومعضلة سياسية في الجبل، كان بشكل أو بآخر المقاومة، وأنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، كان السباق حتى في الاشتباك الأخير، لتهدئة الأجواء، حامياً بذلك جنبلاط، في ظلّ صمت حلفائه الذين إلى يومنا هذا لم تتبلور مواقفهم بشكل دقيق من الاشتباك الحاصل.
من هنا يحار أطراف فريق 14 اذار، من أين يأتوا بأسباب تعيد شدّ عصب الشارع الخاص بهم، ويعوّض انتكاسات السنوات الماضية، المشبعة بالخسائر والرهانات الفاشلة. هي مهمّة شبه مستحيلة أيضاً للبحث عن وظيفة في دوائر السياسة في المنطقة والإقليم، تعوّض خسارة الوزن السياسي في الساحة اللبنانية، وتحديداً في الجبل، كون تلك المنطقة تشهد تغيّراً سريعاً بالتحالفات السياسية، بعد المصالحة المهمة بين أرسلان ووهاب، ليعلم سيد المختارة، أنّ الشارع في الجبل يتجه نحو بوصلة مختلفة، ومهما كانت محاولات صياغة مخرج، عبر زجّ اسم سورية في السجال السياسي الحاصل، فإنّ ذلك بات بعيداً عن الواقعية السياسية، التي تقول إنّ ذلك يندرج تحت إعطاء فرصة جديدة للزعامات السياسية، التي باتت تتآكل، والتي أصبحت تشكل عبئاً على الشارع اللبناني وأطره السياسية، فالجميع يدرك أنّ ما يحصل في فريق 14 آذار، ليس بفعل أيّ مؤامرة، إنما بفعل ظرف سياسي بات مختلفاً عن السابق، وأنّ الزعامات السياسية إنْ كان في المختارة أو معراب، حصرت بفعل الإخفاقات والرهانات الخاطئة، ليس أكثر، وانّ التحالفات في الجبل ليست بهدف إلغاء طرف أو رفع آخر، بل لدفع الطرف الآخر إلى الإقرار بوجود أطراف غيره على الساحة السياسية.