«الاستثمار السياسي» في الفساد فسادٌ أكبر!
د. وفيق ابراهيم
تتبادل القوى السياسية في النظام اتهامات بفساد تاريخي كبير ومتصاعد يشمل حركتين: نهب المال العام والتأثير على القطاع الخاص أو التأثر برشاقته في فنون المصارف والفوائد.
هذه الفئات الفاسدة تمسك بطوائفها ومذاهبها بوسائل شتى وتحتمي بالإقليم المحتاج إليها لتوسيع نفوذه أو لتثبيت معادلات داخلية موالية له.
لذلك فإنّ فسادها ليس عادياً ولا استثنائياً، يكاد يكون «قاعدة العمل» في إدارات لبنان في إطار ما يسمونه «الشطارة» و»صحتين على قلب الزعيم» الحامي للطائفة، أما الأسوياء في الإدارة فهم «أغبياء» كما تصفهم المرويات الشعبية، أو لا يجيدون فنون «تدبر أمورهم» على الطريقة اللبنانية.
يبدو أنّ انقلاباً على هذه المفاهيم المبتذلة بدأ مع إعلان حزب الله حربه على الفساد، وتكليفه إحدى مؤسساته العناية بهذا الملف إلى حدوده الأخيرة، بما يشمل الصديق والبعيد في آن معاً.
وبالفعل ابتدأ النائب حسن فضل الله بإطلاق إشارات عن حركات فساد كبير في أكثر من وزارة ومؤسسة عامة، مطلقاً «ألغازاً»، عن سطو على مال عام في إدارات معينة، لكنّ أحداً لم يفهم من هو «المعني» إلا هذا «المعني» نفسه، ويواصل رشق مؤسسات أخرى بالعيارات نفسها: تجهيل الفاعل وهذا «الفاعل» هو الوحيد الذي يعرف أنه معني بهذه «الصليات».
فهل يُرجىء حزب الله مرحلة كشف الأسماء عن عمد حتى تتكون لدى فريقه الخاص بالبحث عن الفساد صورة عامة وواضحة؟.
للإشارة فقط، فإنّ حزب الله يمتلك قوتين تبيحان له التصدي للفساد والمفسدين.
الأولى هي قدرته وديناميته في تعقب الفساد السياسي والإداري من جذوره إلى تجلياته، بشبكة محترفة من خبرائه فأصبح بوسعه «ضبط الإبرة في كومة القش».
أما القوة الثانية فهي أنّ عمله في المجالس النيابية والوزارية والإدارية لم يتسم بأي علاقة بفساد ما، ولو كان هذا الأمر موجوداً لما توقفت الهجمات عليه في هذه الآفة. والدليل أنّ بعض القوى السياسية اللبنانية التي تتهمه بأنه إيراني ومؤيد لنظام ولاية الفقيه ومؤجج للفتن لم تتمكن من أن تسدّد إليه أي تهمة لها علاقة بفساد سياسي أو إداري.
إنّ هذه المزايا خاصة بحزب الله بين أفرقاء الطبقة السياسية ولا يشاركه فيها أحد. وقد تكون أيضاً واحدة من نقاط ضعفه، لأنه قد يجد نفسه مضطراً إلى إصابة بعض حلفائه فلا يمكن تخصيص توجيه الاتهام بالفساد إلى حلقة القوى المناوئة سياسياً للحزب.
فهل يذهب الحزب بعيداً في حربه على الفساد؟
هناك من يقول إنه، أي الحزب، أبلغ حلفاءه بأنّ المرحلة الماضية توقفت مع إعلان تشكيل الحكومة الحالية، هذا يعني أنه لن يقبل بأي فساد جديد من أي جهة تصنعه بعد الآن، وهذا تحذير تقول بعض المعلومات إنّ حلفاء الحزب أخذوه على محمل الجد واعدين بالالتزام ببناء سياسات مالية وإدارية وأمنية وجامعية بمستوى نظيف.
بالمقابل، يشهد لبنان غلياناً كبيراً يضرب فئات الطبقة السياسية بكاملها، فتطلق اتهامات من دون تحديد المتهم عن هدر كبير في استئجار مبانٍ لإدارات رسمية وصفقات ونفط وغاز وتلزيمات وسرقات وسطو على مال عام بأساليب رهيبة.
والطريف أنّ مطلقي هذه الاتهامات هم من «القوات» و»المستقبل» و»الاشتراكي» وما يجعلها شبيهة بالاتهامات الأخرى هو تجهيلها للفاعل، فإلى متى يبقى الفاعل مجهولاً؟ خصوصاً أنّ فئات النظام الطائفي توحدت في إطلاق اتهامات لفئات أخرى لم تسمّها بالفساد، فإذا كانت هذه القوى بريئة من وزر دين عام بلغ المئة مليار دولار ونقية لا علاقة لها بروائح الكهرباء المفقودة والمياه الملوثة والنفايات المعمّمة والخدمات المحتجبة والتضخم وانسداد فرص العمل والأمن المفقود والهدر والسرقة والتعيينات العشوائية، فمن هو المسؤول يا ترى؟
لذلك تبدو معركة الفساد وكأنها معركة للسيطرة على قوى سياسية أو تقليص دورها السياسي أكثر مما هي معركة حقيقية على فساد أفقر المجتمع اللبناني. والدلائل موجودة: أولاً غياب الخطة الكبرى لمجابهة الفساد وهذا يتطلب أولاً توصيفه، هل هو فساد إداري أم سياسي أو خليط من الاثنين يتكئ على حمايات الأديان ببركة الإقليم؟
ولكلّ من هذه الأمراض وسائل للقضاء عليه.
وبما أنه بات متعارفاً على أنّ الفساد اللبناني هو سياسي بامتياز ينسحب على الإدارات التي تشكل أدوات لتأمين الطبقة السياسية الطائفية وهذه الأخيرة تقاتل بالسيطرة على الدين والنقابات والأحزاب والإعلام والتوظيف في الإدارات، وبالإمكان اعتبار توظيف عشرات آلاف الشبان في إدارات عامة وبالمواقع الدنيا «أجير» متعاقد ومتعامل وإلخ… وسائل خارقة ابتدعتها الطبقة السياسية لمنع انفجار المجتمع. فكيف الحلّ اذاً؟
بالعودة إلى الخدمة المدنية والامتحانات والرقابة على تقرير المال وإنفاقه والمناقصات الحميدة العلنية وقطع العلاقة بين السياسة والإدارة بمنع التوظيف العشوائي والاستزلامي، هناك موظفون عامون يعملون فقط في مؤسسات الزعماء وأحزابهم وبالآلاف.
ولن تعدم الخطة إيجاد وسائل لمنع السياسة من استملاك الإدارة والاستيلاء على المال العام، المهم وجود خطة الفصل وعدم التفريق بين صديق ومنافس وعلنية إنفاق الأموال بشفافية.
فهل تدرك خطة الحزب أهدافها السامية؟
هناك نوايا ومباشرة عمل في تقصي مخابئ الفساد ومكامنه لكن الأكثر أهمية هو الاستمرار فيه، وحماية المجتمع ليست من الإرهاب فقط بل من الفساد كما وعد سيد المقاومة السيد حسن نصرالله.